الروتي

قصة التهاب أسعار السلع الغذائية بعدن.. واختفاء أقراص "الروتي"!

يقف الخمسيني قاسم السحكوك، مساء كل ليلة، في طابور طويل أمام مخبز شمسان القريب من منزله في منطقة البريقة بمدينة عدن (جنوب اليمن)، علّه يحصل على بضعة أقراص من الروتي (أحد أنواع الخبز) لوجبة عشائه.
الحصول على الروتي بالنسبة للموظف الحكومي السحكوك، لم يكن بمثل هذه الصعوبة قبل شهر من اليوم، غير أن الأزمة السعرية التي تعيشها عدن حالياً، ضربت الأوضاع المعيشية في المدينة، وجعلت شراء بضعة أقراص من الروتي أمراً ليس بالسهل.
يقول السحكوك: “الروتي تغير حجمه وسعره خلال أيام، ولا نعرف من المسؤول، فتارةً أصحاب المخابز يقولون إن السبب ارتفاع سعر الدقيق، وتارةً موردو الدقيق يلقون بالمسؤولية على ارتفاع أسعار الصرف”.
ويضيف: “في النهاية المواطن البسيط هو الضحية، ويتعرض لحرب في معيشته وأكله وشربه”.
ومكمن المشكلة، في نظر السحكوك، أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، يحدث في الوقت الذي لا ترتفع فيه معاشات المواطنين ورواتبهم.
والمؤسف، بنظره، أن الجهات المعنية عاجزة عن وقف الارتفاع الجنوني في الأسعار، أو محاسبة المتلاعبين، أو حتى عمل إعادة نظر في رواتب الموظفين.
ويوافقه طه حسين، مالك إحدى البقالات في مدينة البريقة، الذي توقف عن توريد الروتي من الأفران والمخابز، بسبب ارتفاع أسعاره، وتضاؤل حجمه، مما تسبب في عزوف المواطنين عن شرائه، مشيراً إلى أنه، وبحكم معرفته بأسعار المواد الغذائية وتضاربها وتأثرها بسعر الصرف، فإن هناك تلاعباً من قبل التجار الكبار، من موردي المواد الأساسية، رغم حصولهم على سعر منخفض للدولار.

معركة السكان مع الروتي

تداعيات ارتفاع صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني، أثرت على سكان مدينة عدن، وبقية المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحكومة، إذ إن الروتي، المكون الرئيسي على موائد العدنيين اليومية، لم يعد في متناول الكثيرين منهم، بعد أن ارتفع سعره، وتقلص حجمه، بفعل ضربات فارق السعر، وبات تحت رحمة حربٍ متبادلة بين مالكي الأفران والسلطات المحلية.
حيث ارتفع سعر الروتي الواحد من 20 إلى 30 ريالاً، في الوقت الذي تضاءَل حجمه إلى النصف تقريباً، وهو ما اضطر إليه أصحاب الأفران والمخابز؛ لتتماشى تكلفة إعداده مع الفوائد المرجوة من بيعه.
عمال المخابز والأفران ألقوا باللوم على تأثيرات سعر الصرف في ارتفاع أسعار سلع ذات أولوية، مثل “الدقيق”؛ وبالتالي فإن اضطرارهم لرفع سعر الروتي أو تقليص حجمه، يأتي في إطار مواجهة التكاليف المرتفعة لإنتاج الخبز والروتي.
العامل في مخبز “أيام زمان” بمديرية البريقة بعدن، شهاب الشرعبي، قال لـ”المشاهد” إن مكاتب الصناعة والتجارة بالمديريات، تعاقب الأفران والمخابز الصغيرة، بينما تترك موردي مادة “الدقيق” يتحكمون في سعره بحجة ارتفاع سعر صرف العملة، مؤكداً أنهم في المخابز والأفران مرهونون بسعر الدقيق، باعتباره المادة الرئيسية في أعمالهم، وأي تغيّر في سعره ينعكس على حجم وسعر الروتي.
وطالب الشرعبي الجهات المسؤولة بمراقبة أسعار الدقيق من الموردين والتجار الكبار، قبل مراقبة الأفران والمخابز؛ كونهم متأثرين بارتفاع سعر المواد الرئيسية.
في المقابل، لم تسمح السلطات المحلية في عدن، بمثل هذه التغيرات التي تعرض لها الروتي، ولم تستسغ المبررات التي ساقها ملاك المخابز والأفران، من ارتفاع سعر الدقيق بسبب تقلبات الصرف.
وقال مدير مكتب الصناعة والتجارة بمديرية البريقة، وسيم اللصيصي، لـ”المشاهد” إن ارتفاع سعر الصرف ليس له علاقة بارتفاع أسعار الروتي؛ كون المواد الغذائية الأساسية مدعومة من قبل البنك المركزي، كالقمح والدقيق والأرز والسكر والزيت.
وأكد اللصيصي أن هذه المواد يتم استيرادها بسعرٍ ثابت للعملة الأجنبية، بحسب تسعيرة البنك المركزي اليمني، مشيراً إلى أنه لا توجد أية إشكاليات في هذا الجانب، سوى بتأخر الدفعات 33، 34، 35، وقد اعتمدها البنك مؤخراً.

إغلاق محلات المخالفين

وكشف اللصيصي عن إجراءات صارمة من قيادة الوزارة، ممثلة بنائب الوزير سالم سلمان، بحق المتلاعبين بالأسعار الذين يلقون بالمسؤولية على تقلبات الصرف التي ليس لها أي تأثيرات مباشرة، مشيراً إلى أن الجشع عند بعض التجار، والهلع من تأخير اعتمادات البنك المركزي، دفعا بعضهم إلى رفع سعر الروتي، وتقليص حجمه.
وأكد أن مكاتب الصناعة والتجارة في مديريات محافظة عدن، قامت بإغلاق العشرات من الأفران المخالفة، وفق توجيهات نائب الوزير سلمان، والسلطة المحلية بالمحافظة.
ولفت إلى أن المخابز المخالفة، والتي تم إغلاقها، جميعها من الأفران التقليدية العاملة بالطريقة القديمة؛ ربما بسبب صعوبة حساب الكلفة والكمية، بينما تساعدنا المخابز الآلية الحديثة على تثبيت الأسعار.
وتحدث عن خطط مستقبلية لدى وزارة الصناعة والتجارة بعدن، لاستخراج تراخيص لمخابز آلية حديثة، في المناطق السكنية الجديدة، ومنع إنشاء أفران تقليدية، بالإضافة إلى عدم حصر وكالة توريد مادة الدقيق، واستخراج بطائق صحية للعاملين في المخابز.

حرب البيانات

في ظل ذلك الجدل، خرجت وزارة الصناعة والتجارة بعدن، ببيانٍ تلقى “المشاهد” نسخةً منه، يؤكد على تثبيت سعر “قرص الروتي الواحد” بـ20 ريالاً.
البيان صدر عقب اجتماعٍ جمع قيادات الوزارة ومكاتبها التنفيذية في المديريات، مع مالكي الأفران والمخابز، ووقع فيه الحضور على محضرٍ إلزامي، يلتزم فيه مالكو الأفران بالتسعيرة المعتمدة، ومعاقبة كل من يخالف.
ودعا البيان المواطنين إلى الإبلاغ عن أية مخالفات أو ارتفاع بالأسعار، والتعاون مع السلطات المحلية.
ورد مالكو الأفران والمخابز بعدن، على بيان الوزارة، ببيان ناشدوا فيه رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك، التدخل لضبط المتلاعبين بسعر الدقيق.
وقال أصحاب الأفران، في بيانهم، إن التجار الكبار يستوردون كميات من الدقيق بسعر المصارفة (صرف منخفض للدولار الأمريكي) عبر البنك المركزي، بينما يقومون ببيعه في السوق المحلي بسعر الدولار المرتفع.
وطالبوا بمحاسبة المتاجرين بأقوات المواطنين، ومعاقبة التجار الكبار، وليس مالكي المخابز.