معلمون يمنيون

معلمو اليمن بلا رواتب.. واقع مُزري وأعمال شاقة وافتراش للرصيف وانتحار

تحت حرارة شمس الظهيرة، يفترش المعلم نجيب محمد (46 عاما) الرصيف في أحد شوارع مدينة إب (وسط اليمن)، الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي، ليبيع بطاريات وشواحن الجوالات.

يقول محمد إنه ترك التدريس بسبب انقطاع الرواتب منذ أكثر من أربعة أعوام، ما اضطره للخروج إلى الشارع للبحث عن مصدر دخل ليعول أسرته المكونة من خمسة أبناء، منهم أربع إناث.

يضيف محمد الذي يقطن شقة بالإيجار لـ "المصدر أونلاين" "أكثر من أربعة أعوام بلا راتب، أكافح من أجل بقائي وعائلتي على قيد الحياة لتوفير أبسط متطلبات الأسرة، وتسديد ايجار الشقة مبلغ 30 ألف ريال يمني".

يواصل محمد الذي عمل مدرسا منذ 20 عاما بالقول "مكتب التربية بالمحافظة يطالبنا بالدوام والحضور إلى المدرسة لكن بلا رواتب، ويتم فرق (تغريم) كل طالب مبلغ ألف ريال تصرف كرواتب للمعلمين، حيث يسلم في الشهر لكل معلم 30 ألف ريال وبعضهم 20 ألفا، وهو مبلغ -حد قوله- لا يفي بحق المواصلات".

 

أكثر الشرائح تضررا

رغم الوضع المعيشي السيئ الذي يعانيه اليمنيين ككل، إلا أن المعلمين هم الشريحة الأكثر تضررًا في القطاع العام إثر توقف الرواتب، ما حدا بغالبية المعلمين إلى العزوف عن التعليم والذهاب للبحث عن أعمال أخرى شاقة لسد رمق جوعهم. 

خلال السنوات الأخيرة تعرض قطاع التعليم في اليمن لأضرار بالغة، طالت بنيته التحتية الضعيفة أصلا، حيث يواجه قرابة 200 ألف مُعلّم صعوبات جمة بعد توقف رواتبهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في بيان لها مطلع العام الدراسي الحالي 2019 - 2020، إن مليوني طفل يمني خارج المدرسة بسبب العنف المتواصل في البلاد، مشيرة إلى أن الصراع المستمر في اليمن حرم ملايين الأطفال من الحصول على التعليم، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة منذ تصاعد النزاع في مارس 2015.

ولفتت المنظمة إلى أن "3.7 ملايين طفل آخرين بات تعليمهم على المحك، حيث لم يتم دفع رواتب المعلمين منذ أكثر من ثلاثة أعوام".

ويشهد اليمن منذ أكثر من خمس سنوات حربا عنيفة بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي أدت إلى خلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، حيث بات 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة.

 

معاناة وحرمان

حال المعلم نجيب هو مثال لعشرات الآلاف من المعلمين خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، سواء على الأرصفة أو في أعمال البناء أو حمل البضائع وغيرها من الأعمال الشاقة، جراء انقطاع رواتبهم، الأمر الذي بات ملحوظا في السنوات الأخيرة، مع تفاقم الوضع الاقتصادي المتأزم وانقطاع مصادر دخل الكثير من الأسر، بتوقف رواتب موظفي القطاع العام وإغلاق عدد كبير من المصالح العامة والخاصة.

 

منصور العمراني، (44 عاما)، هو الآخر ترك مهنة التدريس واتجه للعمل الشاق في البناء وتلييس الجدران، لتوفير احتياجات أسرته المكونة من ستة أولاد.

العمراني الذي يتجه صباح كل يوم إلى حراج العمال وسط مدينة إب يعاني من أمراض "السكر" و"الكلى"، ويقول لـ "المصدر أونلاين" إنه لم يستطع الحضور للمدرسة وتأدية عمله، وتركها مجبرا بسبب الوضع المعيشي وتوقف الرواتب. 

يسرد العمراني تفاصيل وضعه المعيشي واحتياجات أسرته وتعاطيه للعلاج المتواصل قائلا: "الكيس القمح بـ 13 ألف ريال، والاسطوانة الغاز بـ 6 آلاف ريال بالسوق السوداء، وساكن في شقة ايجار بـ 25 ألف ريال، كل أولادي في المدرسة عدا الكبير ترك تعليمه وذهب إلى حضرموت للعمل في البناء".

وأشار العمراني إلى أن "ذلك هو الخيار الوحيد لتوفير أدنى ما يسد احتياجات أسرته".

 

 

حراج العمال في مدينة إب حيث يتجمع عشرات المدرسين الباحثين عن ما يسد رمقهم (المصدر أونلاين)

 

فاقة وفقر مدقع

التربوي علي حسين، (65 عاما) هو الآخر متقاعد، ومنذ عام 2016 لا يتقاضى مرتبه الشهري الذي يبلغ 50 ألف ريال، فلجأ إلى الرصيف، حيث أقام "بسطة" لبيع "التمر".

يقول حسين بلغة ممزوجة بالمعاناة لـ "المصدر أونلاين" إن الظروف والفاقة دفعته إلى الشارع، من أجل توفير لقمة العيش لأسرته".

 

اضطرابات نفسية وانتحار

وقال المسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين اليمنيين، يحيى اليناعي، إنه "مع دخول الحرب عامها الخامس يواجه المعلمون ظروفا سيئة للغاية، فهم لم يتلقوا رواتبهم للعام الثالث على التوالي، باستثناء مرتبات شهرين أو ثلاثة أشهر".

وأضاف اليناعي في تصريحه لـ "المصدر أونلاين" إن آلاف المعلمين اضطروا لترك مهنة التدريس واتجهوا إلى أعمال أخرى لتوفير لقمة العيش، بسبب انقطاع الرواتب".

وتابع "منذ نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر 2017م عقب سيطرة الحوثي على البنك واستنزاف مليشياته للاحتياطي النقدي الأجنبي، لم يتقاض أكثر من 108 ألف معلم في 9 محافظات خاضعة لسيطرة الحوثيين رواتبهم، وكذلك المعلمين النازحين، خلافا للمناطق المحررة التي لم تنقطع فيها مرتبات المعلمين إلى اليوم".

وأردف اليناعي قائلا: إن "حياة المعلمين وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية تأثرت سلبا جراء انقطاع الرواتب، وشهدنا حالات انتحار للبعض منهم بعد أن عجزوا عن توفير متطلبات الحياة لأسرهم وأطفالهم". لافتا إلى أن الفقر الناجم عن توقف مصادر الدخل وانعدام فرص عمل بديلة يحفز للإقدام على الانتحار، كما حدث مع أحد معلمي صنعاء الذي ألقى بنفسه من سطح بناية مرتفعة.

وأشار "اليناعي" إلى أن بعض المعلمين تعرضوا لاضطرابات نفسية وأصيبوا بالجنون، لافتا إلى أن الحرب دفعت بآلاف الطلاب إلى مقدمة جبهات القتال، وفي ذات الوقت دفعت بآلاف التربويين إلى الصفوف المتقدمة للفقراء الأشد احتياجا".

ودعا المسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين، الحكومة لاتخاذ الإجراءات والتدابير التي تمثل ضرورة قصوى لإنقاذ المعلمين والنظام التعليمي في اليمن من الانهيار، والالتزام بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي أكد على ضرورة حماية وتعزيز حقوق المعلمين مهنيا وماديا.

المصدر: المصدر أونلاين