الديسلكسيا

ماالذي يحتاجه الأطفال للعلاج من "الديسلكسيا" في اليمن؟

عصام صبري

قرر الطفل بكيل الورد، ذو الـ9 أعوام، عدم مواصلة الدراسة في الصف الأول من التعليم الأساسي، في إحدى المدارس الحكومية بصنعاء، في العام الثاني من الحرب التي اندلعت نهاية مارس 2015، بسبب معايرة معلمه وزملائه له بعدم مقدرته على كتابة الأحرف أو قراءتها بشكل طبيعي، دون درايتهم أن الطفل يعاني من عسر القراءة وصعوبة التعلم، ما يصطلح عليه “الديسلكسيا”، كما يقول والده عبدالله لـ”المشاهد”.
وتفاقمت مشاكل الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة، مع دخول الحرب في اليمن عامها الخامس، وتجاهلها من قبل الجهات المعنية في الدولة والقطاع الخاص، الأمر الذي يؤخر الاكتشاف المبكر للحالات المستجدة، وتشخيصها، أو تقديم علاج لكافة الحالات المتضررة.
وتكمن مخاطر تجاهل الرعاية اللازمة للمصابين بـ”الديسلكسيا”، بحسب ما يراه تربويون تحدثوا لـ”المشاهد”، في أنه يؤدي إلى مشاكل نفسية، إضافة إلى التسرب من المدارس.

ما أضرار “الديسلكسيا”؟

“الديسلكسيا” كلمة يونانية الأصل مكونة من مقطعين: الأول (Dys) وتعني صعوبة، والثاني (lexia) وتعني الكلمة المقروءة، وأول من استخدم هذا المصطلح عالم الأعصاب الفرنسي رودلف بيرلين، عام 1872.

وتُعرف “الديسلكسيا” بأنها “صعوبة مستمرة وشديدة في تعلم القراءة واكتساب مهاراتها عند أطفال أذكياء، متمدرسين بشكل طبيعي، ليست لديهم أي اضطرابات حسية أو عصبية، يعيشون في بيئة اجتماعية ثقافية طبيعية. 


وتُعرف “الديسلكسيا” بأنها “صعوبة مستمرة وشديدة في تعلم القراءة واكتساب مهاراتها عند أطفال أذكياء، متمدرسين بشكل طبيعي، ليست لديهم أي اضطرابات حسية أو عصبية، يعيشون في بيئة اجتماعية ثقافية طبيعية. وتؤثر هذه الصعوبة مع استمراريتها في المدى البعيد، كما أن تشخيصها لا يتم إلا بعد مرور 6 أشهر على الأقل من الشروع في تعلم اللغة الكتابية. وتصيب حوالي 1 إلى 8% من الأطفال في سن التمدرس، كيفما كانت انتماءاتهم العرقية أو الجغرافية”.

لم تكن مشكلة عسر القراءة للطلاب في مدارس اليمن، محل اهتمام من قبل المجتمع والدولة، حتى في الفترة التي سبقت وقوع الحرب الحالية، الأمر الذي دفع عدداً من التربويين في محافظة تعز، لتأسيس جمعية معنية بمن يعانون من مشكلات صعوبات التعلم، تحت مسمى “الجمعية اليمنية للديسلكسيا”، سنة 2008. 

توقف أول جمعية لمعالجة المشكلة

ولم تكن مشكلة عسر القراءة للطلاب في مدارس اليمن، محل اهتمام من قبل المجتمع والدولة، حتى في الفترة التي سبقت وقوع الحرب الحالية، الأمر الذي دفع عدداً من التربويين في محافظة تعز، لتأسيس جمعية معنية بمن يعانون من مشكلات صعوبات التعلم، تحت مسمى “الجمعية اليمنية للديسلكسيا”، سنة 2008.
وعقب التأسيس أقامت الجمعية العديد من الأنشطة التعريفية بمشكلات صعوبة التعلم، في رياض ومدارس محافظة تعز الحكومية والخاصة. وأسهمت تلك الأنشطة باعتراف مكتب التربية والتعليم بوجود مشكلة عسر القراءة. وعلى إثر ذلك تشكلت سنة 2009 اللجنة التربوية للمعسرين قرائياً، وتتبع مكتب التربية بمحافظة تعز.
ومن ذلك الوقت حتى عام 2015، نُفذت العديد من الأنشطة والبرامج، بالشراكة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومع القطاع الخاص ممثلاً بمجموعة شركات هائل سعيد أنعم، وشركة كمران.
وتوسع نشاط الجمعية ليشمل عدداً من المحافظات اليمنية التي كان يقام فيها حملات توعوية تستهدف الطلاب والمدرسين للتعريف بمشكلة الديسلكسيا، وإيجاد الوسائل والأساليب المناسبة لحلها، كما يقول لـ”المشاهد” رئيس الجمعية اليمنية للديسلكسيا، عبدالرحمن الحكيمي.
ويضيف الحكيمي: “تلك الجهود تكللت باستضافة خبراء من خارج اليمن، لوضع مساهمات في المنهج الدراسي للصفوف”.
وفي ذلك الحين، أصدرت وزارة التربية والتعليم تعميماً خاصاً بالتعاون وجه للمدارس، يُلزم المدرسين باستيعاب الأشخاص الذين يعانون من صعوبات التعلم. لكن تلك الجهود توقفت بشكل مفاجئ في 2015، بسبب الحرب، إذ أقدم مسلحون على السطو على مقر الجمعية اليمنية للديسلكسيا، وسرقة محتوياتها في إحدى مناطق النزاع بمحافظة تعز.

آمال في طريقها للتحقق

ولاحت بوادر الأمل عند والد الطفل بكيل، المصاب، بعد معرفته أن تربويين افتتحوا بمجهود ذاتي مدارس خاصة بالأطفال الذين يعانون من الديسلكسيا في العاصمة صنعاء.

متخصصون في تدريس المعسرين قرائياً وكتابياً، ومن يعانون من ضعف التآزر الحركي (الدسبراكسيا)، ومن يعانون من حساسية الضوء والعتمة (متلازمة إيرلن). 


ويقول عبدالله الورد: “لقد تفاءلت لأن نجلي سوف يكمل تعليمه، وسيكون بإمكانه أن يلتحق في الصف الثاني الابتدائي بعد انقطاعه عن التعليم في المدرسة”.
وتستقبل مدرسة ناسا الخاصة بالمعسرين قرائياً، في العاصمة صنعاء، نحو 180 طالباً وطالبة موزعين على فصول دراسية من الصف الأول حتى السادس ابتدائي.
ويعمل في المدرسة 30 معلماً، جُلهم متخصصون في تدريس المعسرين قرائياً وكتابياً، ومن يعانون من ضعف التآزر الحركي (الدسبراكسيا)، ومن يعانون من حساسية الضوء والعتمة (متلازمة إيرلن).
وقال المستشار في وزارة التربية والتعليم اليمنية، عبدالرحمن الحكيمي، إن المدرسة التي يديرها تعمل تحت إطار ورؤية تعليم رباعي الأبعاد، وهي رؤية مبتكرة في التعليم، ويجب أن تستخدم لتعليم من يعانون “الديسلكسيا” والحالات المشابهة لهم.
وهذه المؤثرات تتلخص في 4 أبعاد، كما يقول؛ البعد العاطفي للمعلم تجاه طلابه، والثاني البعد النفسي، ويعني تحقيق توازن في العلاقة بين المعلم والمتعلم، ثم لغة الجسد، وتعني كيفية فهم المعلم تقبل الطلاب للمعلومات التي تقدم لهم من خلال الإيماءات الجسدية، ويلي ذلك البعد الأسري، كون الأسرة شريكة في العملية التعليمية، بحسب الحكيمي.
ويطمح الحكيمي لتنفيذ مسح ميداني لحصر أعداد الأطفال الذين يعانون من “الديسلكسيا” في مختلف المحافظات اليمنية، إسوة ببعض الدول العربية كمصر والكويت. كما يطمح لتنفيذ عدد من البرامج العلاجية والتوعوية.
ويقول لـ”المشاهد”: “بالإضافة إلى تعليم الأطفال المعسرين قرائياً وكتابياً، ومن يحتاجون طرق تعليم خاصة، فإن مدرسة ناسا تقدم دورات تدريبية وتأهيلية مستمرة للمعلمين، وكذلك لأولياء أمور الطلاب. وحتى يستمر عملنا نسعى للحصول على دعم للمدرسة وللجمعية اليمنية للدسلكسيا، من قبل المنظمات المحلية والدولية المعنية بالتعليم ودعم ذوي القدرات الخاصة في اليمن”.