مسلحون حوثيون- أرشيفية

دراسة تثبت كيف أن سياسة الحوثيين منبثقة من نظام الملالي بإيران (تقرير)

منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، وهي تعمل على تعديل البنية السياسية للجمهورية اليمنية، لتناسب مصالحها وتخدم توجهاتها. ويدعي بعض من خصوم الحوثيين أنهم تحولوا إلى المذهب الاثناعشري، والسعي إلى إعادة تشكيل النظام على صورة النظام الإيراني، وفرض أيديولوجية مماثلة، وتحويل جماعتهم إلى نسخة يمنية عن حزب الله اللبناني، وفق الدراسة المشتركة للدكتور محمد المحفلي، أستاذ الأدب المقارن في جامعة حضرموت، وجيمس روت، الحاصل على الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند.
وأكدت الدراسة الصادرة عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي)، في 5 مارس الجاري، بعنوان “الثورة الإسلامية الإيرانية: كيف تُلهم، أو لا تُلهم، حكم الحوثيين في شمال اليمن”، أن الأدلة المتوفرة لا تثبت هذه الاتهامات بشكل ملموس، ولكنها تشير إلى وجود علاقة معقدة بين الحوثيين وطهران، رغم أن القراءة الأولية لجماعة الحوثيين تشير إلى أنها قد استوحت -إلى حدٍّ ما- خطابها وصورها وشعاراتها ورموزها المتعلقة بالمقاومة والثورة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ويطلق الحوثيون على أنفسهم اسم “أنصار الله”، الشبيه باسم “حزب الله” اللبناني، ككيان سياسي، وهي توصيفات مستوحاة من آيات قرآنية. ويحمل أحد شعاراتهم التي شاع استخدامها خارج اليمن عبر وسائل إعلام إيرانية ولبنانية، أوجه شبه عدة برموز حزب الله والحرس الثوري الإيراني. كما تستخدم القوات شبه العسكرية المدعومة من إيران، مثل حركة النجباء وكتائب حزب الله، صوراً مشابهة في شعاراتها.

تأثير إيران على توجهات الحوثيين

خلال النزاع الحالي في اليمن، لوحظ تأثير إيران المتزايد، في الترويج لعدة أنشطة ثقافية ودينية حوثية، مثل إحياء ذكرى عاشوراء ويوم القدس العالمي. كما أقر الحوثيون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، عيد الغدير كعطلة رسمية يتخللها مسيرات المشاركة فيها إلزامية.
واقتصرت الاحتفالات بعيد الغدير قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، في سبتمبر 2014، على فعاليات خاصة في بعض المناطق الشمالية، حيث تم حظر الاحتفال بهذه المناسبة بعد قيام ثورة سبتمبر 1962. ويستخدم الحوثيون الرمزية الطائفية بشكل واسع، مثل الإشارة إلى الإمام الشيعي الحسين بن علي، كرمز ديني ثوري يقولون إن جماعتهم تمشي على خطاه.
وينتمي الحوثيون إلى الطائفة الزيدية التي تتبع الإسلام الشيعي، وهي تختلف عن المذهب الشيعي الاثناعشري الذي تؤمن به إيران، وتعتبر أقرب فرقة شيعية للطائفة السنية. يوقر الزيديون ثورة زيد بن علي ضد الخلافة الأموية في القرن الثامن، ويؤمنون أن زيد كان ينبغي أن يكون الإمام الخامس بعد علي بن الحسين.
ولم يخفِ حسين بدر الدين الحوثي (المؤسس الأول للجماعة) إعجابه بالنموذج الإيراني، واعتبر آية الله الخميني قائداً عادلاً وصالحاً يجب الاحتذاء بجهوده لمقاومة نفوذ الغرب في الشرق الأوسط.
ولمواجهة ما اعتبره إذلالاً للعرب على يد أعدائهم من دول الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة وإسرائيل، رأى الحوثي أنه من الممكن أن تقود إيران العرب نحو “الكرامة والمجد”، باعتبار جاذبيتها كنموذج ثوري شيعي مناهض للامبريالية.
ولكن الحوثي رفض صراحة، وفي أكثر من مناسبة، الشيعة الاثناعشرية، لدرجة أنه هزأ من مفهوم المهدي المنتظر وعقيدة الإمام الغائب. وميز الزيديين عن غيرهم، إذ اعتبرهم “النخبة بين الطوائف الإسلامية ومؤمنين حقيقيين”، وزعم أن المبدأ الرئيسي الذي قامت عليه الزيدية هو الثورة ضد الظلم. ويأتي التزامه بالثورة بناء على “الالتزام المطلق بمبدأ الأمر بالعدل وحظر الخطأ”، وهو ما يندرج ضمن الفكر الزيدي والنظرية السياسية التقليدية القائمة على الإيمان بالعدالة الإلهية، وفقاً للدراسة الصادرة عن مركز صنعاء للدراسات.
وولد التمرد الحوثي من رحم حركتين تؤمنان بالزيدية الإحيائية: تنظيم الشباب المؤمن، وهو تنظيم ديني زيدي أُسس في التسعينيات كجبهة فكرية معارضة للنفوذ الوهابي والسلفي المتزايد في شمال اليمن، وحزب الحق، حزب زيدي سياسي مثله حسين بدر الدين الحوثي في البرلمان اليمني ما بين 1993 و1997. وتفسر جذور الحركة في سياق الإحيائية الزيدية إلى حد ما أيديولوجية الحوثيين وصلاتهم المزعومة بإيران، وفقاً لدراسة “الثورة الإسلامية الإيرانية: كيف تُلهم، أو لا تُلهم، حكم الحوثيين في شمال اليمن”.

نظام سياسي مشابه لنظام طهران

خلصت الدراسة إلى أنه يمكن أن يكون النظام الحوثي قابلاً للمقارنة مع نظام إيران السياسي، ولكنه ليس نسخة طبق الأصل عنه. فكما هو الحال ضمن النظام الإيراني، فإن “قائد الثورة” (الدور المماثل للمرشد الأعلى في إيران) هو القوة الأعلى، ولديه سلطة مطلقة في اتخاذ القرارات السياسية.
ومن الممكن مقارنة المجلس السياسي الأعلى، الذي يسيطر ويشرف على الدوائر الحكومية، بمجلس صيانة الدستور. وهناك أيضاً أوجه شبه بين اللجنة الثورية العليا ومجلس صيانة الدستور الإيراني، إذ تسعى اللجنة إلى ضمان استمرار الثورة كما بدا واضحاً عند حل البرلمان. أما الكيان المشابه للحرس الثوري فهو الجناح المسلح لجماعة الحوثيين أو “اللجان الشعبية” كما يصفونه، إذ إنه مسؤول عن الأمن وعن الدفاع عن الثورة خلال الحرب الجارية الآن، كما تشير الدراسة.
وأسس الحوثيون “اللجنة الثورية العليا” التي تولت مهام الدولة الإدارية خلال السنوات الأولى من الاستيلاء على السلطة. وفي مقابلة عام 2018، قال رئيس اللجنة، محمد علي الحوثي، رداً على سؤال حول من يحق له الانضمام إليها: “الثورة هي كل عضو داخل النسيج اليمني المتكامل والمتجانس يرفض الفساد، وكل عضو يحمل القيم والحرية ورفض الاستبداد والوصاية والغزو والاحتلال، ويقاوم العدوان والحصار والتبعية العمياء”. ولكن في الواقع الوحيدون الذين تولوا مناصب في اللجنة هم الموثوق بهم من أقارب عبدالملك الحوثي والموالين للجماعة.
وفي فبراير 2015 حلت اللجنة الثورية البرلمان، وأصبحت هي السلطة التنفيذية العليا في مناطق سيطرة الجماعة، وفي يوليو 2016 تم تشكيل المجلس السياسي الأعلى، موضحة أنه يعمل تحت سلطة اللجنة الثورية، ويتشكل من 5 أعضاء من كل طرف: جماعة الحوثيين، والمؤتمر الشعبي العام، حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي كان الحوثيون متحالفين معه آنذاك.
وشُكل المجلس كبديل للجنة الثورية، التي كانت تشرف على عمل الحكومة المدارة عبر القائمين بالأعمال، وهم الوزراء أو نواب الوزراء المكلفون بممارسة مهام الوزير بعد استقالة الحكومة، إذ عين الحوثيون ما يسمى “المشرفين” في جميع الهيئات الحكومية والوزارات، وكان للمشرف الكلمة الأخيرة في القرارات المتخذة هناك، حيث كان مركز “المشرف” مماثلاً لمجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، من حيث ممارسة سلطة رقابية. أما عبدالملك الحوثي الذي يُعرف بـ”قائد الثورة”، فلديه صلاحيات مُطلقة في ما يتعلق بشؤون الحوثيين كجماعة وسلطة، ما يعتبر مماثلاً لمركز المرشد الأعلى في إيران، آية الله خامنئي، وفق ما ذهب إليه الباحثان المحفلي وروت.

رؤى مختلفة للمنحى العقائدي

عقائدياً، هناك عدة اختلافات بين المذهب الزيدي والاثناعشرية، خصوصاً في فهم كل منهما لفكرة الإمامة، بحسب الدراسة الصادرة عن مركز صنعاء للدراسات، والتي أكدت أن أتباع الاثناعشرية يؤمنون أن النبي قد نص على الأئمة من بعده، وهم 12 إماماً ينحدرون من الإمام الأول، علي بن أبي طالب، وهو ابن عم الرسول وصهره، وينتهون بالإمام المغيب، المهدي المنتظر، الذي سينهي الشر، وينشر العدل في العالم عند ظهوره، حسب عقيدتهم. أما الزيدية، فهي لا تؤمن بمبدأ الإمام المغيب، وتجيز الإمامة لنسل علي وفاطمة (ابنة الرسول) بحسب مؤهلاتهم على مستوى المعرفة الدينية.
واقتداءً بزيد بن علي، يؤمن أتباع الزيدية أن على الأئمة الحقيقيين محاربة الحكام الفاسدين، وبالتالي لهؤلاء الأئمة رمزية اجتماعية ودينية. وبالرغم من تقبلهم لسلطة الأئمة، فإنهم لا يعتبرونهم معصومين من الخطأ، ولا يؤمنون أن الإمام يُعين بالنص الإلهي. ولقد نتج عن هذه الاعتقادات قدر كبير من المرونة والتنوع العقائدي، مما سمح بدمج العديد من العناصر السنية في الفكر الزيدي الديني، وفق الدراسة.
وحكمت الإمامة الزيدية شمال اليمن لمئات السنين، لفترات متقطعة، حتى ثورة الجمهوريين وإعلانهم الجمهورية العربية اليمنية في 26 سبتمبر 1962، والتي تلتها حرب أهلية في شمال اليمن. ويتهم الكثير من الناقدين جماعة الحوثيين بمحاولة إحياء الإمامة الزيدية. ولكن لم يدعُ مؤسس وقائد الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، الذي قُتل عام 2004، في خطبه، لإنشاء إمامة، كما رفض المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام، هذه الاتهامات، عام 2009. ولكن من غير الواضح كيف تطورت طموحات الجماعة منذ السيطرة على صنعاء. ويشكل أتباع المذهب الزيدي قرابة ثلث سكان اليمن، ولا يدعمون جميعهم الحوثيين.
لكن التشابه بين الشعارات والرموز لا يثبت بالضرورة السيطرة والهيمنة الإيرانية المباشرة، بل يشير إلى تشارك هذه المنظمات لنفس الأهداف الثورية. وتستخدم وسائل الإعلام الإيرانية واللبنانية الشعار المنسوب لأنصار الله. كما ظهر علم يحمل شعاراً مماثلاً على خلفية صفراء (الأصفر هو اللون الأساسي في علم حزب الله)، بجانب الأعلام الأخرى لجماعات موالية لإيران، خلال مؤتمر صحفي للعميد الإيراني أمير علي حاجي زادة، في يناير 2020، وفق ما تؤكده دراسة المحفلي وروت.

المصدر: المشاهد