الانتقالي الجنوبي

بعد شهر من إعلان الإدارة الذاتية… مالذي قدمه "الانتقالي" لسكان عدن؟

مضى شهر منذ إعلان ما يعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” تفعيل الإدارة الذاتية لجنوب اليمن، بعد السيول التي تعرضت لها العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن)، وأودت بحياة مواطنين وحدوث أضرار في منازلهم، وأضرار في البنية التحتية للمدينة.
وبدا “الانتقالي” بإعلانه كما لو أنه سيعمل على تغيير واقع المحافظات الجنوبية، وتحديداً عدن، لكن ما حدث لا يعكس الرغبة في تغيير واقع السكان بعد مرور على ذلك الإعلان.
ولم يعد يُسمع سوى أخبار الموت بسبب انتشار الأوبئة، أبرزها فيروس كورونا المستجد، والمكرفس، وحمى الضنك، فضلاً عن استمرار الانقسامات في المحافظات الجنوبية، وتأييد أغلبها للحكومة، والحرب التي تشهدها أبين. يحدث كل ذلك برغم بدء “الانتقالي” بتحويل إيرادات عدد من الجهات الرسمية إلى حسابات مجلسه المدعوم إماراتياً.
ما يثير الاستغراب هو أن المجلس الانتقالي كان يدير الجنوب بالفعل، فقد رفض السماح للحكومة اليمنية بالقيام بمهامها من العاصمة المؤقتة عدن، فضلاً عن عدم تنفيذه اتفاق الرياض الذي كان أحد بنوده عودة الحكومة المتواجدة حالياً في المملكة العربية السعودية.

احتجاجات ورفض جنوبي

أدى استمرار تدهور الأوضاع المختلفة في الجنوب -خصوصاً في عدن- كما يبدو، إلى تنامي غضب المواطنين مما يجري هناك، وشعورهم بخذلان سلطات الأمر الواقع هناك لهم.
وتخرج مظاهرات احتجاجية من وقت لآخر، رافضة للمجلس الانتقالي، كان آخرها في الـ29 من مايو الجاري.
وردد فيها المتظاهرون هتافات مناوئة للمجلس، فضلاً عن مطالبتهم بعودة الحكومة. لكن “الانتقالي” تعامل مع مظاهراتهم بعنف، وأطلق الرصاص عليهم، ما تسبب بمقتل مدني وإصابة آخرين بجروح.
ودان مجلس الحراك الثوري الجنوبي بعدن، استخدام المجلس الانتقالي للعنف، وطالب بمحاكمة “القتلة”، أما وزارة الداخلية اليمنية فتوعدت بملاحقة المتورطين باستهداف المتظاهرين وتقديمهم للعدالة.

التفاف على اتفاق الرياض

مع وجود كثير من التساؤلات بشأن جدوى إعلان “الانتقالي” الإدارة الذاتية، وعدم انعكاس ذلك على أرض الواقع، يرى الكاتب اليمني السفير عبدالوهاب العمراني، في هذا السياق، أن قرار المجلس أتي في وضع سياسي وعسكري مقلق وصعب لكل الأطراف، على خلفية انتشار الأوبئة في البلاد ككل، وبذلك فموقفهم محاولة مكررة للالتفاف على اتفاق الرياض الذي وُضع لشرعنتهم، بدليل تقديم البنود السياسية على العسكرية والأمنية، تماماً كما فعل الحوثي في اتفاق السلم والشراكة، غداة سقوط صنعاء في سبتمبر 2014.

لا جدوى لقفز “الانتقالي” للأمام في مثل هذه الظروف والتعقيدات المتداخلة في يوميات الحرب المؤسفة، أما سبب ذلك فيعود إلى أنه “سيعري نفسه، ويكشف دأب التحالف العربي على التماهي مع إضاعة الفرص والحسم وإنقاذ الشعب اليمني من حالة اللاحرب واللاسلم.


بناءً على ذلك، يعتقد العمراني، في حديث له مع “المشاهد”، أن لا جدوى لقفز “الانتقالي” للأمام في مثل هذه الظروف والتعقيدات المتداخلة في يوميات الحرب المؤسفة، أما سبب ذلك فيعود إلى أنه “سيعري نفسه، ويكشف دأب التحالف العربي على التماهي مع إضاعة الفرص والحسم وإنقاذ الشعب اليمني من حالة اللاحرب واللاسلم، وخلق بؤر توتر لتصبح أمراً واقعاً، كما فعلوا بتجذر الحوثي بالانخراط في خلافات جانبية، وترك العدو الحقيقي، ومشاغلة الحكومة ومنعها من العودة”.

أفق ضيق

مع اكتناف الغموض للمشهد في الجنوب وعدن، خصوصاً في ظل فشل تنفيذ اتفاق الرياض حتى اليوم، والانسحاب الذي يُوصف بـ”الشكلي” لأبوظبي من عدن، يعتقد رئيس تحرير موقع “اليمن الجمهوري” كمال السلامي، أن ما يقوم به “الانتقالي” يأتي ضمن مهمة مرسومة له بدقة من قبل الإمارات، وأن الإدارة الذاتية هي محاولة من قِبلها للضغط من أجل تحقيق بعض المكاسب جنوباً، كأن يكون لها وضع خاص في سقطرى، وأن تستمر في الهيمنة على الموانئ.
يشبّه السلامي، في سياق تصريحه لـ”المشاهد”، الإدارة الذاتية بـ”انقلاب الحوثي”، لكنها من وجهة نظره أكثر فشلاً منه، فـ”الانتقالي” يفتقر إلى القيادة الوطنية، فجميع قادته لا يخفون تماهيهم مع الرؤية والمشروع الإماراتي، وهو ما يجعل أي إجراء يقومون به بحكم الفاشل، ولا يتجاوز سقف الابتزاز والضغط.

كمال السلامي :ما يقوم به “الانتقالي” يأتي ضمن مهمة مرسومة له بدقة من قبل الإمارات، وأن الإدارة الذاتية هي محاولة من قِبلها للضغط من أجل تحقيق بعض المكاسب جنوباً، كأن يكون لها وضع خاص في سقطرى، وأن تستمر في الهيمنة على الموانئ


ولم يتغير شيء في عدن منذ إعلان الإدارة الذاتية، بل زاد الأمر سوءاً في مختلف المجالات، وخصوصاً الجانب الإنساني، حيث تحصد الأوبئة أرواح العشرات يومياً، وفق السلامي الذي يؤكد أن العاصمة المؤقتة كانت عملياً تحت سيطرة المجلس الانتقالي، وما حدث هو أن المجلس كان يُحمل الحكومة التدهور هناك، لكن هو اليوم مسؤول أمام الجميع عن الفشل الحاصل والذي سيحدث مستقبلاً.
أما النجاح الوحيد باعتقاده، هو أن “الانتقالي” أوجد لنفسه مبرراً لنهب الدولة والقطاع الخاص في الجنوب، بحجة تمويل الخدمات والعمليات العسكرية، في إجراء يكاد يتطابق مع ما قام به الحوثيون، وهذا يتجلى من خلال دعوات رئيس الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي أحمد بن بريك، للتجار والبنوك لدعم ما سماها “نضالات القوات المسلحة الجنوبية”، بالمال.

تلكؤ في مواجهة كورونا

مع استمرار تكرار ذات السيناريوهات في اليمن، وذات دعوات السلام التي لا تلقى آذاناً صاغية، يفيد الدبلوماسي العمراني أن هناك تلكؤاً من قبل الأطراف في الداخل، في مواجهة “كورونا”، وهو ما يفضح الجميع، حتى في الإقليم أو المجتمع الدولي الذي دعا لعمل هدنة لمواجهة الوباء، ووضع تصورات نهاية للحرب.

قيادات المجلس الانتقالي في عدن


ويخلص من ذلك إلى أن جميع الأطراف تتاجر بحياة المواطن اليمني، كما فعلت خلال حقبة الحرب التي دخلت عامها السادس، محملاً مختلف الأطراف مسؤولية ما يجري، بينها التحالف العربي الذي تعد الإمارات العربية المتحدة أحد أطرافه، وهي الدولة التي قدمت مساعدات طبية لإيران وإسرائيل لمواجهة كورونا، وحرمت اليمنيين من ذلك، وأرسلت لهم الدبابات والمدرعات ليقتتل أبناء الجنوب في ما بينهم.
وأسوأ ما في الحرب، من وجهة نظره، هو إظهارها أقبح شيء في اليمنيين، ممثلاً بالاصطفاف والانقسام والاستقطاب بدون مسوغات منطقية، ما أدى إلى تعميق الشرخ في البنية المجتمعية بصورة تخلق حالة من اليأس، وتحبط التطلع للمستقبل. وبالتالي، فإن “أقذر” كما يصف العمراني، مسوغات السياسي هي المتاجرة بدموع وآلام الجماهير، واستغلال القضايا الإنسانية لغايات سياسية وأهداف حزبية آنية.

احتواء موجهات أبين

يُذكر أن رئيس ما يعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” عيدروس الزبيدي، وصل قبل أيام، إلى المملكة العربية السعودية، في زيارة ليست الأولى. فيما تشهد محافظة أبين معارك متقطعة، وهي متوقفة حالياً بعد الإعلان عن هدنة القوات الحكومية و”الانتقالي”، خلال فترة العيد؛ علماً أن القتال في هذه المحافظة سيحدد الخطوط العريضة لما سيكون عليه الوضع لاحقاً، خصوصاً إذا استمر تقدم الجيش باتجاه عدن، أو تم التوصل إلى تسوية.
ويبدو للعمراني، أن المعارك التي تحدث بشكل متقطع في أبين، وبالقرب من عدن، قد لا تستمر، وسوف تحتويها السعودية بوساطتها المعهودة، كما فعلت في حالات سابقة، متوقعاً استدعاء الرياض الزبيدي مرة أخرى لزيارتها، وقد يتم الخروج باتفاق آخر.
وبدأت معارك أبين في الـ21 من مايو الجاري. ويبدو أن الحكومة تسعى من خلال المواجهات في أبين، لتغيير المعادلة العسكرية في الجنوب، وتحسين موقعها التفاوضي في ما يخص اتفاق الرياض، وفق رؤية “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”.

المصدر: المشاهد