حضرموت

حضرموت اليمنية.. وجهة جديدة للصراع هل تنجح أبوظبي؟

يتدحرج الصراع في محافظة حضرموت، شرق اليمن، في ظل مساعي توتير الأوضاع فيها من قبل ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، كشفت عن ذلك أحداث كثيرة أهمها "مخطط انقلابي فاشل على حاكم المحافظة".

وتسعى أبوظبي وفقا لمراقبين، إلى تخفيف ضغط قوات الجيش الحكومي على حلفائها في المجلس الانتقالي في زنجبار، المركز الإداري لمحافظة أبين، المتاخمة لمدينة عدن، من خلال توتير الأوضاع في حضرموت، وصولا إلى تفجيرها.

أحداث شهدتها المحافظة التي تشكل ثلث مساحة اليمن، بدءا بدعوة قيادات بالمجلس الانتقالي المنادي بالانفصال إلى تشكيل مقاومة مسلحة، وما أعقب ذلك، من عملية اغتيال طالت مسؤولا أمنيا في مدينة شبام بوادي حضرموت، وصولا إلى إحباط عملية انقلاب ضد السلطة المحلية هناك.

"شوكة الميزان"

من جهته، أكد وكيل حضرموت المساعد لشؤون مديريات الوادي والصحراء، عبدالهادي التميمي أن التنوع والتعددية السياسية وفقا للنظام والقانون مرحب بها في المحافظة، وما نريده من كل الأحزاب والمكونات السياسية أن تتنافس في خدمة المواطنين.

وقال في حديث لـ"عربي21": "نرفض بشكل قاطع أن يفرض أي طرف مشروعه بالحديد والنار"، مضيفا أن أي "تشكيلات مسلحة خارج المؤسسة الأمنية والعسكرية، مرفوضة تماما".

وتابع التميمي: "أهل حضرموت معروفون لدى القاصي والداني أنهم أهل دعوة وثقافة وتجارة وبناء وسلام، وأيضا رجال دولة، ولا يمكن أن تجد الدعوات من أي كان الداعية للعنف آذانا صاغية بينهم".

وأشار إلى أن هناك حالة من الغضب والسخط لدى السكان بسبب ضعف الخدمات ومنها الانقطاعات المتكررة للطاقة الكهربائية، وكذا حالات القتل المتزايدة في منطقة الوادي.

بالإضافة إلى عدم إيجاد حلول لضعف منظومة الأمن، فيما الاعتماد على الجيش للقيام بالمهام الأمنية أثبت عدم جدواه، وتم استغلال مثل هذه الأمور لتأليب الشارع ضد السلطة والحكومة في آن واحد.

 وحول محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها محافظ حضرموت، فرج البحسني، أوضح المسؤول الحكومي: "تابعنا ذلك، وننتظر ما ستسفر عنه نتائج التحقيقات، وإعلان ذلك بشكل رسمي".

واستطرد: "لا نريد استباق الأحداث".

وحسب التميمي، فإن موقف المحافظ من بعض القضايا، وتأييده للمشروع الوطني الذي يقوده الرئيس عبدربه منصور هادي كان صادما لبعض القوى (لم يسمها)، فأرادت التخلص منه.

وأردف قائلا: "ما نريده بهذا الخصوص هو أن تتم محاكمة عادلة للمتهمين." 

وفي الأول من حزيران/ يونيو الجاري، أعلنت النيابة الجزائية في مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، إشرافها على جمع الاستدلالات من قبل الأجهزة الأمنية حول محاولة اغتيال اللواء، فرج البحسني، محافظ المحافظة، قائد المنطقة العسكرية الثانية، مؤكدة أنه تم ضبط عدد من المتهمين، فيما التحقيقات جارية معهم، ويجري تعقب عناصر أخرى مشتركة في العملية.

وردا على دور الإمارات الداعم للمجلس الانتقالي في تأزيم الوضع في حضرموت، قال إن دولة الإمارات قدمت الكثير للمحافظة، وهي فاعلة في التحالف الذي تقوده السعودية، مستدركا بقوله: "لكن نحن مع تعزيز السيادة الوطنية، أما تقييم دور دول التحالف العربي المعني بها، قيادة الدولة الشرعية".

وذكر الوكيل المساعد لشؤون مديريات وادي حضرموت، أن الحضارم إجمالا "يعشقون الدولة، ويرفضون الفوضى، وهم بحاجة إلى تعزيز صمودهم من خلال عدد من الترتيبات الأمنية وتعزيزها في وادي حضرموت، وإعادة الجيش إلى ثكناته، والإبقاء على دوره الإسنادي عند الطلب، بالإضافة إلى تشكيل قوة خاصة لمكافحة الإرهاب وتزويدها بكل مايلزم، فضلا عن ترتيبات خدمية أخرى في الطاقة الكهربائية، وتفعيل الأجهزة الرقابية، مشيرا إلى أن ذلك ليس صعبا، ويحتاج إرادة سياسية من القيادة فقط".


ووفقا للتميمي، فإن حضرموت التي وصفها الرئيس هادي أنها "شوكة الميزان"، تستحق أن تكون أول إقليم لدولة اليمن الاتحادي، مطالبا بالبدء في هذا المشروع، وتفعيله لخلق نموذج جاذب لكل أبناء الوطن، ومن ثم ستسقط باقي المشاريع ويعود لليمن عافيته.

"تباين بين الرياض وأبوظبي"

وقال سياسي يمني طلب عدم ذكر اسمه، إن ما يجري في حضرموت حاليا، هو أحد مظاهر التباين بين الرياض وأبوظبي، في مشهد لاستنساخ ما يجري في عدن.

وأضاف أن التباين في ترتيب الأهداف المرحلية أو الخطة التكتيكية، وليست في الأهداف النهائية أو الاستراتيجية.

وحسب السياسي اليمني فإن ما يجري في المكلا، عاصمة المحافظة مؤخرا هو "ترتيبات نهائية لحلول عاجلة، قبيل خروج التحالف من اليمن".

وأشار إلى أن اللواء البحسني، الذي يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الثانية، إلى جانب كونه محافظا لحضرموت "يعد حليفا سابقا لأبوظبي، لكنها تسعى للتخلص منه حاليا، بعد انكشاف ميوله للرياض".

فما يحث البحسني الخطى، وفقا للمصدر السياسي،  لتشديد قبضته على الجيش، والتخلص من جيوب موالية للمحافظ السابق، أحمد بن بريك، القيادي البارز في المجلس الانتقالي، حيث توجه إليه أصابع الاتهام بالوقوف خلف محاولة اغتيال الأول.

وتعليقا على دعوات قيادات في المجلس الانتقالي لتشكيل مقاومة مسلحة ضد قوات الجيش بوادي حضرموت، يؤكد السياسي اليمني أن المنطقة العسكرية الأولى ـ مقرها في مدينة سيئون ـ لاتزال تشكل سلاحا رادعا لأي محاولة اختراق عسكري من قبل قوات الانتقالي، مشيرا إلى أن لواء بارشيد ـ الذي شكلته أبوظبي خلال الأعوام الماضية وتتولى قيادته شخصيات من محافظة الضالع، مسقط رأس زعيم المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي ـ لا يمتلك أسلحة ثقيلة، فضلا عن عدم امتلاكه حاضنة شعبية، فيما سيبقى أي تدخل منه استفزازا للحضارم".

وأفاد بأن أبوظبي تدرك مدى أهمية بقائها في التحالف بالنسبة للرياض التي فقدت معظم حلفائها في المنطقة واحدا بعد الآخر، لافتا إلى أنها، أي حكومة أبوظبي، تحاول الآن قطف ثمرة مشاركتها في الحرب من خلال ترتيب وضع معين في الساحل، تاركة مشاكل الداخل تتفجر بوجه الرياض وحدها.

وأكد أن السعودية تحاول لملمة أوراقها لفرض حل سياسي، بعد عجزها لأسباب كثيرة عن الحسم، في الوقت الذي تدرك أن القوى اليمنية المتحالفة معها لن تقبل بفرض أجندة الإمارات.

"تعيينات وتوجيهات"

ومع عودة حضرموت إلى واجهة الصراع بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، كان لافتا، تركيز الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اهتمامه بالأوضاع فيها، حيث حث قيادات السلطة المحلية المدنية والعسكرية إلى الاستعداد لأي طارئ، وضرب أي مساع لتفجير الأوضاع فيها.

كما أصدر الرئيس هادي، 4 قرارات بتعيين وكلاء للمحافظة، منها تعيين صالح الأحمدي، وكيلا لحضرموت لشؤون الدفاع والأمن.

وفي منتصف آيار/ مايو الماضي، أطاح وزير الداخلية، أحمد الميسري، بقائد شرطة حضرموت العميد منير التميمي، وتكليف اللواء سعيد العامري، الذي يشغل وكيل وزارة الداخلية لشؤون المنطقة الشرقية، بديلا عنه.

وأواخر الشهر الماضي، دعا القيادي في المجلس الانتقالي، أحمد سعيد بن بريك، الذي كلفه المجلس الانفصالي برئاسة ما يسمى "الإدارة الذاتية للجنوب"، التي أعلن عنها، في نيسان/ إبريل الماضي، قبائل وشباب ومقاومة حضرموت إلى تدشين "المقاومة المسلحة" في منطقة وادي حضرموت وشبوة وأبين.

وعلل بن بريك دعوته إلى أن قيادة المنطقة العسكرية الأولى في سيئون، التي يتهمون "جيشها بالتبعية لحزب الإصلاح"، قد جهزت تعزيزات عسكرية وأرسلتها إلى مدينة شقرة، على وقع المعارك المحتدمة مع قوات المجلس الانتقالي في ضواحي زنجبار، عاصمة أبين.

ومطلع الأسبوع الجاري، وجه محافظ حضرموت، قائد المنطقة العسكرية الثانية، اللواء البحسني، برفع الجاهزية والحس الأمني والانضباط والمعنويات، والاهتمام بالتدريب والتأهيل في جميع الوحدات والألوية العسكرية، ومنع الفوضى ومواجهة محاولات البعض لنقل الصراع إلى حضرموت.

جاء ذلك خلال ترؤسه اجتماع اللجنة الأمنية العليا في المحافظة، بحضور قيادات الألوية والوحدات العسكرية والأمنية في مناطق ساحل حضرموت وأيضا الوادي والصحراء.

وفي 26 أيار/ مايو الماضي، اغتيل مدير أمن شبام، العقيد صالح عبد الله بن علي آل جابر ومرافقيه في منطقة شبام، في مسعى لتأزيم الوضع في وادي حضرموت، وتهييج قبائل المنطقة ضد السلطة الشرعية، كما يرى مراقبون.

وأعقب ذلك، الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق في الحادثة، على أن ترفع نتائجها خلال أسبوعين من تاريخ تشكيل اللجنة، حسب قرار صادر عن وكيل محافظة حضرموت لشؤون مديريات الوادي والصحراء.

"اعتقال ضباط كبار"

بموازاة ذلك، علمت "عربي21" من مصدر خاص عن تورط قيادات بالمجلس الانتقالي بمحاولة الاغتيال والانقلاب على محافظ حضرموت.

وقال المصدر لـ"عربي21" مشترطا عدم كشف اسمه: "خلال الأيام الماضية، تم اعتقال عدد من كبار الضباط والأكاديميين المقربين من المجلس الانتقالي في المكلا، مؤكدا أن التحقيقات جارية معهم بتهمة "تدبير عملية انقلاب" في قيادة المنطقة العسكرية الثانية، من ضباط بقوات ما تسمى "النخبة الحضرمية"، التي تعد أبرز الوحدات وأقواها تسليحا وتدريبا.

وأوضح المصدر أن المخطط الانقلابي كان يهدف للإطاحة بالبحسني من منصبيه ـ قائد المنطقة الثانية ومحافظ المحافظة ـ وتنصيب محافظ جديد لحضرموت في إطار الإدارة الذاتية للجنوب التي  فرضها المجلس الانتقالي في عدن قبل أكثر من شهر.

ولم يصدر أي تعليق أو توضيح من المجلس الانتقالي حول الاتهامات الموجه له بالتخطيط للانقلاب واغتيال حاكم حضرموت.

وبعد يومين من الكشف رسميا عن إحباط محاولة اغتياله، التقى البحسني، الأربعاء، بقيادات في الفرع المحلي للمجلس الانتقالي بحضرموت، وقال إن "حضرموت عزيزة على جميع أبنائها، ومسؤولية الحفاظ عليها آمنة ومستقرة هي مهمة الجميع أيضا"، وفقا لما نشره الموقع الرسمي للبحسني ذاته، بموقع "فيسبوك".

المصدر: عربي21