الحناء

الحناء: النبتة التي ترسم على أنامل الغواني وأقدام الراقصات

يعد الحناء لدى الكثير من اليمنيات زينة محببة، ووسيلة لإضفاء طابع جمالي خاص؛ حيث يعمدن في مختلف المناسبات، كالأعراس مثلاً، إلى التزين بالحناء، من خلال وضعه على أيديهن وأقدامهن؛ لتبدو أصابع الكف أو القدم أكثر إبهاراً بعد اكتمال اللون الأحمر الداكن بهما.
وتفضل أخريات الذهاب إلى واحدة من المنقشات (وهن نساء يعملن في مجال النقش بالحناء على الجسد)، لرسم أشكال مختلفة في الأيدي والأقدام بالحناء الذي يبدو باللون الأخضر قبل وضع الماء الساخن عليه، والقيام بعجنه. وهذا النوع من التنقيش يزيد إقبال النساء عليه في عيدي الفطر والأضحى، وحفلات الزواج، والمناسبات الخاصة.

لإعداد عجينة الحناء؛ تفضل بعض النساء إضافة قطرات من الليمون أو منقوع الكركديه إلى مسحوقها بعد مزجه بالماء، وبعض النساء يضفن إليه ماء الشاي الأحمر أو مسحوق القهوة أو البنزين، وقد تكتفي أخريات ببعض من قطر الحناء أو بخلط المسحوق بعدة مواد مما سبق أو غيرها؛ وذلك للحصول على اللون المطلوب؛ سواء البني الداكن أو العنابي أو الأسود.


وتستعمل المرأة الريفية الحناء للعناية بالوجه، وعلاج مشاكل الشعر، كما هو الحال مع بعض الشباب، الذين يجدون فيها حلاً للمشاكل الناجمة عن استعمال الجل والكريمات، ويحبذها بعض الرجال لصبغ شعر الرأس أو الذقن، خصوصاً مع تقدمهم في السن، وهي أفضل من الصبغات الكيميائية لدى آخرين، وبإمكانها أن تقي الجسم من الروائح المصاحبة للتعرق.
ولإعداد عجينة الحناء؛ تفضل بعض النساء إضافة قطرات من الليمون أو منقوع الكركديه إلى مسحوقها بعد مزجه بالماء، وبعض النساء يضفن إليه ماء الشاي الأحمر أو مسحوق القهوة أو البنزين، وقد تكتفي أخريات ببعض من قطر الحناء أو بخلط المسحوق بعدة مواد مما سبق أو غيرها؛ وذلك للحصول على اللون المطلوب؛ سواء البني الداكن أو العنابي أو الأسود، ولإبقاء الرسومات أطول وقت ممكن على الجلد أو الشعر، إلا أن كثيراً من العاملات في مجال النقش بالحناء يفضلن شراءها جاهزة؛ لكون تحضيرها يستغرق وقتاً.

الحناء في الأدب والغناء اليمني

ولا يقتصر الحناء على كونه وسيلة تجميلية ودوائية لدى المجتمع اليمني؛ فقد تعاظم ارتباطها به حتى أصبحت جزءاً من موروثه القديم، إذ يعود تاريخه لأكثر من ألفي عام، وفقاً لكتاب “حكايات وأساطير يمنية”، للأديب علي محمد الأغبري، الذي تحدث عن الحناء كحكاية تحمل اسم “وريقة الحناء”، وهي فتاة يتيمة تعاني من قساوة وخبث زوجة أبيها وابنتها الدميمة إكرام؛ لغيرتهما من جمالها الأخاذ، مما يكشف عن واحد من أبرز معتقدات المجتمع اليمني ناحية الحناء؛ حيث يرى البعض أنها مرتبطة بكل ما هو جميل وحسن.
ويؤكد باحثون أن قصة “سندريلا” الشهيرة مستوحاة من حكاية “وريقة الحناء”، فبعد أن انتقلت إلى أروربا عن طريق الأندلس، تم تحويلها إلى فيلم الرسوم المتحركة “سندريلا” في القرن الـ16 الميلادي، بواسطة الكاتب الفرنسي “شارول بيرو”، وتحولت الحكاية إلى المسلسل المغربي “رمانة وبرطال” أيضاً، ثم إلى مسلسل يمني في بداية الثمانينيات، قام بأدواره ممثلون يمنيون ومصريون.
وكما نجد الحناء منقوشة بإتقان على أجساد النساء، نجدها في الأغاني اليمنية كذلك، كأغنية “يا علم حنا” لفيصل علوي، وتقول كلماتها: “ساعة الحنا تشفي المارود، شلها يالله يا كريم الجود”، وما تضمنته أغنية “وازخم” من مديح للمحنى، وهي تغرس الشتلات: “أفديك انا وا محنى أفدي امثنايا امدرر”، وقد غناها الفنان أيوب طارش في عهد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، أثناء حملة التشجير.
ومن أشهر الأغاني العدنية “شفت ناقش الحنا” للشاعر أحمد الجابري، التي أذيعت لأول مرة بصوت الفنان محمد صالح عزاني، قبل أن ينتقل الجميع لترديد كلماتها وسماعها في مختلف المناسبات والأعراس: “شفت ناقش الحنا، يابوي من فنه، طاير من الجنة، محلى نقشة الحناء، سبحان من صوّر، كأنه قمر نوّر، لا غاب باتحسر، محلى نقشة الحنا”، وغيرها من الأغاني اليمنية التي جُمِّلت بالحناء؛ سواء للغزل، أو للإشارة إلى مدى أهمية الحناء للمجتمع اليمني وتأثره بها.

أين تنمو أشجار الحناء؟

وليس معلوماً متى عرفت الحناء بالتحديد؛ فقد استخدمت لأغراض تجميلية ودوائية ودينية منذ قدم البشرية، وهي مسحوق يستخلص من وريقات شجيرة تدعى الحناء، واسمها العلمي Lawsonia inermis، وتنمو في جنوب غربي آسيا، وتحديداً في البيئات ذات المناخ الحار؛ لذا فإن المناطق الساحلية باليمن، إضافة إلى الجزر اليمنية، تعد تربة خصبة لزراعتها.

تمتاز شجيرة الحناء بكونها دائمة الخضرة، غزيرة التفريع، تعمر حوالي 3 إلى 10 سنوات، ويصل طولها إلى 3 أمتار، ولها جذور حمراء اللون، وأفرع جانبية خضراء.


وتمتاز شجيرة الحناء بكونها دائمة الخضرة، غزيرة التفريع، تعمر حوالي 3 إلى 10 سنوات، ويصل طولها إلى 3 أمتار، ولها جذور حمراء اللون، وأفرع جانبية خضراء، لكنها تتحول إلى البني ما إن تنضج، ويأتي شكل ثمرتها على هيئة علبة صغيرة، والأزهار عنقودية بلون أبيض أو بنفسجي، حسب الصنف، ولها رائحة عطرية مميزة، أما الأوراق فتبدو متقاربة وصغيرة، ويحضر منها، بعد تجفيفها وسحقها، صبغ الحناء، ويعرف بكونه صباغاً أحمر ضارباً إلى الصفرة، تخضب به الأَيدي والأقدام والشعر، وقد يستخدم في تلوين الصوف والحرير أيضاً؛ لاحتواء الأوراق على مادة دبغية ملونة، وتستعمل زهور الحناء في صناعة العطور والشامبوهات.
وبحسب دراسات طبية، فإن الغرغرة بالحناء مفيدة لعلاج قروح الفم واللثة واللسان، وشرب مغليها ينشط نزول العادة الشهرية للنساء، ويزيد من انقباضات الرحم، كما تعمل عجينة الحناء على تنقية فروة الرأس من الميكروبات والطفيليات، ومن الإفرازات الزائدة للدهون، وتستخدم لمنع النزيف، وعلاج الحروق، وتشقق القدمين؛ حيث تقوي الجلد وتجعله أكثر مقاومة ومرونة، علاوة على تخفيف الحمى، وعلاج الصداع، والأمراض الجلدية والفطرية.
وتختلف شجرة الحناء من بلد لآخر في اللون والكثافة، وحتى في النقوش؛ فهناك الحناء الهندية، والشامية، والإماراتية، والسودانية، وتحظى الحناء اليمنية بطلب واسع؛ نظراً لجودتها وخلوها من المواد الكيميائية والأسمدة.

حضور في الأعراس والموت

وترتبط الحناء بحكايات وأساطير عديدة في بعض المناطق اليمنية؛ فهي شجرة مقدسة، ويقال إنها إحدى أشجار الجنة، وأنها رافقت نزول آدم وحواء إلى الأرض؛ لتخفف عن حواء ألم مغادرة الجنة وعذاب الأرض، بحسب حوار سابق أجراه “المشاهد” مع باحثة يمنية متخصصة في التراث، ويعتقد البعض أنها تمكن الميت من دخول الجنة؛ لذا فهم يغسلون جسده بماء الحناء، وينثرونها على قبره وداخل كفنه.

يطلق على إحدى ليالي العرس اليمني “ليلة الحناء”، وهي عادة قديمة استمرت حتى ما بعد الإسلام، وفيها يتم وضع الحناء على يدي وقدمي العروس، وتزينها بنقوش مميزة، وتلطيخ شعر وجسد العريس بالحناء؛ اعتقاداً بكونها تحمي من الشياطين والعين والشر، وتبارك الأفراح.


ويطلق على إحدى ليالي العرس اليمني “ليلة الحناء”، وهي عادة قديمة استمرت حتى ما بعد الإسلام، وفيها يتم وضع الحناء على يدي وقدمي العروس، وتزينها بنقوش مميزة، وتلطيخ شعر وجسد العريس بالحناء؛ اعتقاداً بكونها تحمي من الشياطين والعين والشر، وتبارك الأفراح.
وتتمتع الحناء بنوع من القدسية والاحترام عند كثير من الشعوب الإسلامية؛ إذ يستعملها المسلمون كمادة تجميلية وعلاجية، ويفرشون بها القبور تحت موتاهم، وهم بذلك يتبعون كلام رسولهم محمد عليه الصلاة والسلام؛ فقد جاء في سنن البخاري وأبي داود، أن الرسول ما شكا إليه أحد وجعاً في رأسه إلا قال له: “احتجم”، ولا شكا إليه وجعاً في رجليه إلا قال له: “اختضب بالحناء”، وجاء في صحيح الترمذي أن سلمى أم رافع، خادمة رسول الله، قالت: كان لا يصيب النبي قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء.
وبحسب الأستاذ في التاريخ، منير طلال؛ فقد استخدمت الحناء في مختلف الطقوس الدينية للعديد من الحضارات الإنسانية القديمة؛ كما في اليمن القديم، وكانت حاضرة في مختلف الأفراح والأتراح الدينية: كإقامة الصلوات والجنائز، والتضرع إلى الآلهة، والاحتفال بميلادها، وزيارة أضرحة الأولياء الصالحين، إضافة إلى مختلف المناسبات الوطنية والإقليمية؛ كتنصيب ملك جديد على البلاد.

معتقدات دينية

واهتمت النساء، قديماً، بعمل نقوشات وأوشام على أجسادهن بالحناء؛ لما تحمله من دلائل دينية، وليس لمجرد الزينة وحسب؛ فقد كانت الرسومات المنقوشة على أجساد النساء أشبه ما تكون بتميمة أو “حرز”، وكانت ترمز للآلهة التي تحفظ الشخص من العين أو الأقدار السيئة، وفقاً لمعتقدات المجتمع آنذاك. ولم يقتصر الأمر على النساء دون الرجال؛ إذ إن كلاً منهما كان مهتماً بالبقاء تحت حماية الآلهة.
ولما كان الرقص يعد طقساً من طقوس العبادة، وله فلسفته الدينية، فقد كان أمراً ضرورياً أن تتزين الراقصة بالحناء قبل الشروع في الرقص، ولاتزال هذه العادة ملحوظة في بلاد الهند؛ حيث لا ينبغي أن تقام الرقصات في مختلف المناسبات الدينية أو الفرائحية إلا وقد خضب الراقصون، الرجال والنساء، أجسادهم بنقوش مميزة؛ دلالة على الخصوبة، وكذلك الأمر في بعض الأعراس اليمنية.
واستعمل الفراعنة الحناء في أغراض شتى؛ فإلى جانب استخدامها كوسيلة للتخضيب والصباغة والتعطر وعلاج للجروح، كانت تحظى بمكانة دينية مميزة، وهو ما تؤكده الآثار المتبقية عن حضارة مصر القديمة؛ حيث عُثر على كثير من المومياوات الفرعونية وهي مخضبة بالحناء، ووجد تمثال لأميرة وكاهنة فرعونية تدعى “تاكوشيت”، وعليه نقوشات الحناء المعروفة ذاتها، كما تظهر في عدد من اللوحات القديمة رسومات كثيرة على الوجوه والأقدام والأيدي، وتبدو كأنها رسمت بالحناء أيضاً.

المصدر: المشاهد