البيضاء

مواجهات “البيضاء”… كيف طويت قضية جهاد الأصبحي؟

بعد أقل من شهرين على قضية مقتل جهاد الأصبحي، على يد مسلحين حوثيين، واستنفار قبائل محافظة البيضاء (تبعد 268 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من صنعاء) الذين يتزعمهم ياسر العواضي، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، عقب الحادثة، طويت القضية بسيطرة الحوثيين على مديرية ردمان التابعة لمحافظة البيضاء، واقتحام منزل العواضي، الخميس الماضي.
وقبل يوم من سيطرة الحوثيين على المديرية، اندلعت مواجهات مسلحة بين رجال القبائل ومسلحي جماعة الحوثي، بعد فشل جهود الوساطة بين الطرفين.
وظهر الأربعاء الماضي، تبادل الجانبان الاتهامات عن مسؤولية اشتعال القتال الذي أدى إلى سقوط عدد من المواقع والتباب بمديرية ردمان لصالح رجال القبائل، بحسب اعتراف السلطة المحلية بالمديرية التابعة للحوثيين، والتي اتهمت القبائل بالخيانة، والتنسيق مع من سمتها “دول العدوان” وفق اتهام بيان الجماعة.

ما قصة جهاد الأصبحي؟

تعود بداية قصة جهاد الأصبحي إلى 27 أبريل الماضي، عندما هاجمت مجموعة من الأطقم العسكرية منزل والد زوجها وزوجها اللذين لم يكونا متواجدين في المنزل.
وعند عملية الاقتحام بادر أحد المهاجمين لتوجيه السلاح على جهاد التي كانت بمفردها بالمنزل وأرداها قتيلة، ونهب كل محتويات المنزل قبل أن يغادروا، بحسب رواية والد جهاد.
وحاول الحوثيون التنصل من الجريمة، متهمين أهلها بقتلها، مما دفع الشيخ الخضر عبدالرب الأصبحي، إلى السفر إلى صنعاء، ولقاء قيادات الجماعة، وعلى رأسهم أعضاء المجلس السياسي، لتسليم الجناة للعدالة ورفع نقاط المشرفين الذين أوغلوا في ظلم سكان المنطقة، كما يقول. لكنه لم يلقَ تجاوباً من الجماعة، رغم اعترافهم بالقضية ومحاولة إنهائها بالتحكيم القبلي الذي قوبل برفض الخضر، كما يؤكد الشيخ في مقطع فيديو.
ويقول الشيخ الخضر: “أبلغت سلطات الحوثيين بصنعاء بما حصل، وطالبتهم بالعدالة، ولكنهم ماطلوا القضية، وتعمدوا إخفاء القتلة، وبعد عدم التجاوب ذهبنا إلى الشيخ ياسر العواضي ومن معه من قبائل ومشائخ محافظة البيضاء”.
ويتهم الخضر وآل الأصبحي الذين يقطنون في مديرية “الطفة”، المشرف حمود شتان، ومشرفين حوثيين من منطقة الشعف، وهي المنطقة التي تنتمي لها الكثير من القيادات الحوثية التي تشرف على محافظة البيضاء، بارتكاب جرائم في المحافظة.
وتعد الجريمة واحدة من قضايا عديدة تتستر فيها جماعة الحوثي على مشرفيها الذين ارتكبوا جرائم مماثلة في مختلف المديريات، لحاجتها إلى هذه القيادات المحلية، وإشعار قياداتها أنها لا تتخلى عنهم تحت أي ضغوط أو مبرر، مما يجعل أيدي قياداتها تبطش بالمواطنين بلا حساب ولا عقاب، وفق مراقبين.
وقال أحمد محمد الأصبحي، والد الفتاة، في مقطع فيديو: “نؤكد أننا تعرضنا لجريمة نكراء وانتهاك لحرمات العرض والأرض، بعد أن هجم الحوثيون بأكثر من 30 طقماً و”بي إم” ومدرعة وأسلحة ثقيلة، وقتلوا ابنتي داخل بيتها، ثم قاموا بنهب البيت”.
وبعد عودة الشيخ الخضر من صنعاء إلى البيضاء، طلب العون والمساندة من الشيخ القبلي ياسر العواضي، الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم سابقاً)، ووافق العواضي على الوقوف إلى صفهم، وتحمل القضية ونجدتهم وفقاً للعرف القبلي.
ودعا الشيخ العواضي، عقب استنجاد والد جهاد به، إلى نكف قبلي، واستجاب لندائه الكثير من أبناء قبيلته والقبائل الأخرى، لتبدأ المواجهات المسلحة حينها، بينهم وبين مسلحي الحوثي، وتمكن القبائل من الصمود والاستيلاء على مجموعة من المواقع، لكن الجماعة احتوت الوضع، وسيرت وساطة لاحتواء المواجهات، وحل القضية، لتتوقف المواجهات ما يقارب الشهر والنصف، من دون الوصول إلى حل.

قبل سقوط ردمان

عاد التوتر والمواجهات، الأربعاء الماضي، بعد قصف الحوثيين لمديرية ردمان بالأسلحة الثقيلة، كما تقول المصادر المحلية، التي تؤكد أن رجال القبائل تمكنوا من إسقاط طائرتين مسيرتين في الساعات الأولى لاشتعال الحرب، إلا أن الحوثيين حملوا رجال القبائل عودة المواجهات بشنهم الهجوم على مواقع مسلحيهم.

بعد استهداف الشعف لردمان بقذائف صاروخية في ظل وجود دور للوساطة ومشائخ البيضاء؛ فإني أدعو آل عواض من الجريبات إلى المريه، وأصحابنا مستنير وآل الثابتي للاحتشاد فوراً، وتشكيل سرايا محور ردمان الدفاعية وفق الخطة السابقة للدفاع عن ردمان”.


ومع اندلاع المواجهات، دعا الشيخ القبلي والقيادي المؤتمري ياسر العواضي، القبائل إلى الاحتشاد مجدداً في مديريته “ردمان” بمحافظة البيضاء، وكتب في تغريدة على حسابه في “تويتر”: “يعلم الله ما نسعى إلا للسلام وحقن الدماء بكرامة وشرف، وبعد استهداف الشعف لردمان بقذائف صاروخية في ظل وجود دور للوساطة ومشائخ البيضاء؛ فإني أدعو آل عواض من الجريبات إلى المريه، وأصحابنا مستنير وآل الثابتي للاحتشاد فوراً، وتشكيل سرايا محور ردمان الدفاعية وفق الخطة السابقة للدفاع عن ردمان”.
وقال: “بعد مرور شهر ونصف من قضية العار، وقتل الشهيدة جهاد، ورفض تسليم الجناة للعدالة، وما هو معروض حالياً من الوساطة، فإني أدعو كل أبناء البيضاء ومأرب وشبوة، وكل القبائل التي تواصلت إيجابياً، إلى الاجتماع حال وصولها هذا البلاغ خلال هذا اليوم (الأربعاء الماضي) بردمان”.
وأضاف في تغريدة أخرى: “أدعو الجميع لفزعة قبلية خالصة لاتخاذ القرار الذي يرونه حال وصولهم اليوم إلى ردمان، ومن تأخر وفى، ومن حضر كفى، ومن وصله البلاغ أخبر ذي وصله النابي، ولا نامت أعين الجبناء، ولله الأمر من قبل ومن بعد”.

حسم المعركة الأخيرة

ومنذ وقوع حادثة القتل، حاول الشيخ العواضي ومن معه من مشائخ البيضاء، عدم تسييس القضية، وزجها في الصراع الدائر بين الحكومة وجماعة الحوثي، كما تبين تغريداته السابقة على “تويتر”، إلا أن جماعة الحوثي اتهمته، في بيان صادر عن السلطة المحلية بمديرية ردمان، بالخيانة وتلقي الدعم والأسلحة ممن سموه “العدوان”، ووصفته بـ”المرتزق”.
واتفق الناطق الرسمي للقوات المسلحة التابعة لجماعة الحوثي، العميد يحيى سريع، مع ما ورد في البيان، ملمحاً في تصريحه لوكالة “سبأ” للأنباء بصنعاء، الأربعاء الماضي، إلى عملية عسكرية لحسم المواجهات.
وعلق بعض قيادات الجماعة على موقف العواضي من قضية مقتل الشابة جهاد الأصبحي، بالتساؤل: “لماذا لم تظهر هذه النخوة عند قصف طيران التحالف لمنازل المواطنين وقتل النساء؟”.
وهددوا حينها بأن مصير العواضي سيكون كمصير صالح والشيخ الزعكري وغيرهما من القيادات القبلية التي واجهتهم وخسرت.
وبعد يوم من التهديد، تمكن مسلحو جماعة الحوثي من حسم المعركة والسيطرة على ردمان، بعد قطع الإنترنت والاتصالات عن المديرية.
ووفقاً لمراقبين، فإن تمكن الحوثيين من السيطرة على المديرية، طبيعي، فهم يمتلكون مقدرات دولة.