ملكة البرتقال

صنفتها "فوربس" ضمن أقوى 50 سيدة أعمال.. هل سمعت يوما بملكة البرتقال في اليمن (فيديو)

تقرير: حمزة الحمادي

في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019، توفيت واحدة من أبرز النساء العصاميات، وأنجح سيدة أعمال في اليمن، وهي السيدة آمنة العمراني، أكبر تجار الفواكه في البلاد. إذ اشتهرت هذه المرأة طيلة أربعة عقود ونصف بلقب ملكة البرتقال في اليمن. وقبل 9 أشهر فقط، فارقت الحياة وهي في سن الـ 74عاماً، بعد مسيرة نجاح حافلة بالتحدي والعمل، في مجتمع تقليدي شديد التباين.

كانت الراحلة آمنة العمراني، أول سيدة يمنية، يتم اختيارها في تصنيف عالمي. حدث ذلك في أبريل/نيسان العام 2006، حيث اختارتها مجلة فوربس Forbes الأمريكية (الشرق الأوسط)، ضمن قائمة أقوى 50 سيدة أعمال عربية، واحتلت آمنة المرتبة الـ 34 من بين سيدات الأعمال الأكثر تأثيراً في بلدان العالم العربي. باعتبارها ملكة البرتقال في اليمن، حيث وصلت حجم تجارتها إلى أكثر من مليون دولار.

تنتمي آمنة العمراني، لأسرة ريفية زراعية من محافظة عمران شمال العاصمة صنعاء؛ وهي متزوجة، وأم لديها 7 أناث. ومنذ طفولتها لم تلتحق هذه المرأة بالمدارس، وقد حرمتها الظروف القاسية من تعلم القراءة والكتابة. لكنها حرصت على تعليم بناتها، وألحقتهن في أفضل المدارس الخاصة.

آمنة العمراني – ملكة البرتقال في اليمن/خلم أخضر

البداية بالمرجان قبل 4 عقود

قبل 45 عاماً، وبحسب عدة مصادر، فأن السيدة آمنة بدأت العمل بائعة المرجان (الحُلي النسائية المصنوعة من المرجان) في مناطق الأرياف بمحافظة عمران. كانت تجوب بقدميها مسالك وعرة، من أجل تبيع على النساء قلائد المرجان والأقمشة لتصنع لنفسها فضاء من الضوء.

من نقطة الصفر، بدأت رحلة نجاح آمنة العمراني المدهشة، وتحديداً من وسط سوق “المحناط” في مدينة عمران، التي تبعد 50 كيلومتر شمال العاصمة صنعاء. انطلقت المرأة في تجربتها الملهمة.

ويروي الزميل الصحفي محمد القاضي، الذي تعقب قصة هذه السيدة والتقاها في العام 2007، أن رحلتها كانت محفوفة بالمخاطر والمتاعب، لكن أحلامها كانت تكبر في كل جولة، ونشاطها يتسع في كل يوم حتى امتد إلى القرى المجاورة لمدينة صنعاء. ظلت تحمل المرجان والملابس النسائية، التي تبيعها بالنقد وبالآجل، وهي تواصل رحلتها تلك سيراً على الأقدام.

وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، عملت هذه المرأة، بائعة صغيرة للفاكهة بالكيلو، كانت تعرضها للبيع بواسطة صحن عريض من النحاس، في سوق الملح وسط مدينة صنعاء القديمة.

كان عمل النساء في مهنة التجارة ينظر إليه طيلة عقود في اليمن، بوصفه عاراً يورث القبيلة والأهل وصمة ذل أمام المجتمع. ويفرض ذلك عوائق عدة في محيط اجتماعي مغلق ومحافظ. ووفقا لتأكيدها في تصريح سابق، واجهت هذه المرأة القوية، معارضة شديدة من أسرتها عند بداية مزاولتها لنشاطها التجاري، لدرجة أن أشقائها وبعض اقاربها قاطعوها طيلة سنوات، لرفضهم عملهما بالتجارة. كما لاقت حرب مستمرة من قبل الرجال المنافسين لها في السوق الذي بدأت العمل فيه.

وفي لقاء تلفزيوني، قالت آمنة: ” حاولوا يكسروني كثير ومانفعش، ما نفعني إلا الله”.

لم تستسلم قط، اذ كان زوجها يدعم اختيارها وظل مساندا لها في خوض تجربتها منذ البداية، لكن وبعد اغترابه في السعودية انقطعت أخباره عنها لثماني سنوات. ونتيجة لغياب سندها الوحيد، ظلت أمنة تواجه الحياة وحيدة، متحملة عناء تربية بناتها، والقيام بعملها في آن، واستطاعت تجاوز ذلك كله، ونجحت ببراعة لافتة للغاية.

أول صفقة لبيع المشمش

تقول القصة، أنه ذات يوم من أيام العام 1975، ذهبت آمنة إلى قرية ريفية تدعى “سناع” في جنوب غرب العاصمة صنعاء، من أجل أن تتقاضى دينها عند نساء القرية؛ حينها وجدت أحداهن تعرض عليها أخذ ثمار البرقوق أو المشمش عوضاً عن المال، شكل هذا الأمر لحظة فارقة ومغامرة في قبول تلك الصفقة، كونها تمثل اختيار طريق لم تألفه.

ووفقاً للمصادر، لم تتردد آمنة العمراني. إذ قبلت التحدي وانطلقت بأول شحنة لها من ثمار البرقوق إلى مدينة تعز جنوب غرب اليمن. كانت صفقة البرقوق نقطة البداية في مسيرة التحول المثير لحياة هذه السيدة. حيث اكتشفت أن تجارة الفواكه تدر أرباحاً طائلة في وقت قصير وجهد أقل.

وعقب نجاحها ببيع المشمش، كررت التجربة ببيع شحنة ثانية إلى مدينة أخرى، فحصدت النتائج ذاتها، وقتئذ قررت الاستمرار في تجارة الفواكه متنقلة من مدينة إلى أخرى، واتسعت أنشطة تجارة الفواكه لديها، فأصبحت تتفاوض وتشتري من المزارعين المحصول كله، وتبيعه إلى تجار التجزئة.

 

 

كيف أصبحت ملكة البرتقال؟

تقول أمنة العمراني في إحدى المقابلات السابقة: “ذات مرة ذهبت إلى محافظة مأرب لتسويق وبيع بعض أنواع الفاكهة. كان ذلك في العام 1982، حيث وجدت أن المزارعين لا يعرفون قيمة البرتقال ولا قيمة الحمضيات. لأن البرتقال والحمضيات لم تكن معروفة في المناطق الريفية اليمنية وكان وجودها مقصوراً على عواصم المدن الكبرى والتي كان يباع فيها البرتقال المصري. حيث قمت بشراء كمية من محصول البرتقال من المزارعين الذين استغربوا بداية الأمر وتعجبوا بأني دفعت فلوساً مقابل فاكهة لا يتناولونها ويعطونها طعاماً للجمال والمواشي- وقمت ببيعها في محافظات أخرى”.

وتضيف آمنة: “تكررت مرة ثانية الصدفة مع البرتقال كما حدث مع المشمش. والحمد لله الآن صار البرتقال من أفضل المحاصيل الزراعية الغنية وأكثرها زراعة وانتشاراً في مختلف المناطق والمدن وصار الكل الغني والفقير يأكل البرتقال”.

قرار حكومي بمنع استيراد الفاكهة

استفادت ملكة البرتقال وازدهرت تجارتها آنذاك، تزامناً مع صدور قرار الحكومة اليمنية في العام 1984، والذي قضى بحظر استيراد كافة أنواع الفواكه والخضروات من الخارج، ومنع دخول الفاكهة الأجنبية إلى السوق اليمني وكذلك بقية المدخلات الزراعية. كان لذلك القرار نتائج جيدة.

ويشير مسؤول حكومي رفيع أن اليمن حققت بعد عامين فقط من صدور ذلك القرار، اكتفاءً ذاتياً ونوعياً من الفاكهة والخضروات في السوق المحلية، إذ كان استيراد اليمن من الفواكه فيما كان يسمى بـ الجمهورية العربية اليمنية يبلغ حوالي 105 مائة وخمسة ملايين دولار أمريكي.

 

 

رأس مال مليون دولار و 500عامل

وعقب ذلك القرار، أصبحت آمنة الأمية التي لا تجيد التوقيع على الأوراق، وتعتمد على بصمة اصبعها في توقيع الشيكات والتعاملات المصرفية. أكثر نبوغاً وازدهاراً في فهم مناخ السوق، وأكثر التجار خبرة في اجادة طرق المنافسة، وسرعان ما أزاحت كبار التجار المنافسين لها من الرجال، وأسست سوقاً خاصاً بها لبيع الفواكه بالجملة والمزاد العلني في العاصمة صنعاء.

وفي نهاية عقد الثمانينات، افتتحت آمنة شركتها التجارية لتسويق الفواكه اليمنية للسوق المحلي والخارجي، وأطلقت على شركتها اسم: «مؤسسة النصر لتسويق الفواكه اليمنية» وعللت سبب هذه التسمية لـ “انتصارها” على منافسيها من التجار الرجال. حسب تعبيرها.

وفقاً لأحد المصادر، كانت آمنة، تدير العمل من مكتبها في مؤسسة النصر، معتمدة على نفسها في اتخاذ قرارات إدارة أعمالها. ولديها محامياً ومحاسباً مالياً، وكان يعمل معها ما يزيد على 500 عامل وموظف.

وقد بلغ رأس مالها نحو 1 مليون دولار في مطلع العام 2007، وكانت تمتلك أسطول نقل من الشاحنات الكبيرة التي يزيد عددها عن 10 شاحنات. وفي زمن قياسي، سيطرت السيدة آمنة على سوق الفواكه في العاصمة صنعاء برمتها، وتصدرت تجارة محصول البرتقال بالجملة حتى غدت تعرف بملكة البرتقال.

سيدة الأعمال اليمنية الراحلة آمنة العمراني – حلم أخضر

ملكة البرتقال تصل أسواق الخارج

في العام 1995 بدأت سيدة الاعمال آمنة العمراني، تصدير الفواكه المتنوعة وعلى رأسها البرتقال إلى أسواق دول عدة، منها: المملكة العربية السعودية، والامارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الأردن وسورية ومصر. وفي يناير/كانون الثاني العام 2007، بلغ حجم شحنات الفواكه التي صدرتها مؤسسة آمنة العمراني حوالي 350 طنا من البرتقال.

وفي احدى احاديثها، قالت العمراني، أنها تبيع يومياً من محاصيل الفواكه في الأسواق اليمنية بين 100  طن – 150 طن في اليوم الواحد، في حين أنها تقوم بالتصدير الى الأسواق الخارجية قرابة هذه الكميات وقد تتجاوزها. وخصوصاً إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

ونتيجة ذلك، تمكنت آمنة من بناء شبكة علاقات واسعة مع الكثير من المزارعين اليمنيين، ومع تجار الفواكه في الخارج. وقد سافرت لحضور فعاليات زراعية رسمية إلى كلاً من: الصين، ألمانيا، مصر، الأردن، سورية، السودان، اسبانيا، لبنان، والسعودية، بدعوات من بعض الاتحادات الزراعية. كما حصلت على شهادات تقديرية من جامعة الدول العربية، ومن جهات حكومية زراعية في اليمن، تقديراً لجهودها الذاتية وإسهامها في إنجاح عملية التسويق الزراعي.

ماذا قالت عنها مجلة فوربس؟

غلاف مجلة فوربس 2006

لكونها ذو شخصية قوية، ولديها حضور فاعل في أسواق الفواكه اليمنية، وتملك التأثير على حركة التسويق الزراعي في البلاد. اختارتهامجلة فوربس Forbes الأمريكية، ضمن قائمة أقوى 50 سيدة أعمال عربية، واحتلت المرتبة الـ 34 من بين سيدات الأعمال الأكثر تأثيراً في بلدان العالم العربي. في أبريل/نيسان من العام 2006.

وأوردت مجلة فوربس العبارة التالية عنها: ” المرتبة 34– آمنة العمراني- 60 عاما. اليمن. تعمل في تجارة البرتقال، وتملك سوقًا كاملاً في اليمن، مازالت تعمل بالطريقة التقليدية نفسها التي بدأت بها عملها، فهي تحتفظ بكامل عملياتها الحسابية داخل رأسها حتى تعود إلى البيت، حيث تقوم بناتها بدور الإدارة المالية. آمنة لم تذهب إلى المدارس، لكنها استطاعت أن تتسيد تجارة البرتقال في اليمن في بيئةٍ صعبةٍ، ومزاجٍ زراعيٍّ سيئٍ، حيث يتوجه الجميع إلى زراعة (القات). بدأت مشوارها العملي في العام 1975 بـ 15 دولاراً فقط”.

كيف أنقذت ملكة البرتقال حميد الأحمر؟

رجل الاعمال حميد الأحمر

طبقاً لأحد المصادر، في العام 2007، قال رجل الأعمال اليمني، الشيخ حميد الأحمر، أنه حاول دخول سوق الفواكه في مستهل تجربته التجارية مطلع التسعينات. مؤكداً أنه أخفق في ذلك، إثر فشله في تسويق محصول البرتقال داخل وخارج اليمن رغم علاقاته التجارية الواسعة.

وذكر الأحمر في حوار اجراه الزميل الصحفي، خالد الحمادي، ونشرته مجلة فوربس، أن السيدة آمنة العمراني، هي من أنقذته من الخسارة المحققة في تلك الصفقة، والتي وافقت على شراء محصول البرتقال منه بسعر التكلفة، حيث كان الأحمر قد سبقها في شرائه له من المزارعين مباشرة.

لكنه وَجَدَ أبواب أسواق الفواكه اليمنية مغلقة أمامه ومؤصدة بإحكام، ولم يشتري منه أحد. ووجد أن مفاتيح ذلك السوق بيد آمنة العمراني، حيث لم يعرف التعامل مع هذه الأسواق، ولا يجيد لغتها، في حين كانت ملكة البرتقال هي من تملك الخبرة والمعرفة وتديرهما وفقاً لذلك.

أسرار نجاح ملكة البرتقال

طيلة خمسة وأربعين عاماً من عملها كأكبر المحتكرين لتجارة تسويق وتصدير البرتقال، كانت آمنةٌ تبدأ عملها منذ شروق الشمس صباح كل يوم، وتغادر السوق في أوقات متأخرة من الليل، كانت لا تعرف عطل نهاية الأسبوع، ولا تأخذ راحة من العمل إلا في اليوم الأول للأعياد الرئيسية فقط، كعيد الفطر وعيد الأضحى.

من ضمن قوانينها في العمل، كانت ملكة البرتقال، تحرص كل الحرص على فصل الملكية العائلية عن الإدارة. إذ كانت ترفض توظيف أية أحد من أسرتها أو من أقاربها في مؤسستها التجارية ولو حتى في مجال الحسابات أو في مجال الرقابة على حركة البيع والشراء. كانت ترى بأن الأهل والأقارب لا يخلصون في عملهم كالآخرين، كما أنها لن تستطيع محاسبتهم بشدة ومعاقبتهم على ذلك عند أي تقصير منهم، كما تفعل مع الآخرين.

وفي أحد أحاديثها، قالت إنها تختزل كل الحسابات المالية للوارد والصادر في ذاكرتها القوية، وبرغم من أنها كانت غير متعلمة. لكنها كانت تعرف كل صغيرة وكبيرة من الدخل اليومي لمؤسستها التجارية ولنشاطها التجاري الدائم. لدرجة أن جميع موظفيها لا يستطيعون مغالطتها في الحسابات، لأنها تعرف حجم حركة الدخل اليومي بشكل دقيق من خلال متابعتها لحجم النشاط التجاري المحلي والخارجي.

كثيرين من تجار التجزئة، ينادونها بلقب ملكة السوق. لذلك ظلت آمنة العمراني منذ سنوات طويلة تحظى بسمعة كبيرة من الثقة. وسيخبرك الجميع من تجار التجزئة والمزارعين بأنها كانت أفضل من تعاملوا معه من تجار الجملة، وتشير الروايات أن تعاملها التجاري كان واضحاً وصريحاً ولا يشوبه التحايل والخداع الذي يزدهر به الكثيرين من تجار الجملة الآخرين.

وبرغم ثرائها، ظلت آمنة العمراني حتى مماتها، سيدة تقدم نفسها للجميع بثقة وفخر، وبساطة كلها اعتزاز بكونها امرأة من الريف اليمني، وبلباسها التقليدي كانت تقوم بمتابعة أعمالها خطوة بخطوة، وتتنقل بين مزارع البرتقال من منطقة إلى أخرى بسيارتها الحديثة، وتفحص جودة الثمار وتشرف على عمليات القطف والتعبئة والنقل، وتتجه إلى السوق بنفسها.

ظلت آمنةٌ تزاولُ بنفسها عملية البيع والشراء في المزاد العلني في سوقِها الذي تملِكُهُ بصنعاء، على الرَغم من تقدمِها في العمرِ، لكنها ظلت تحرص على ذلك، وهي محافظةٌ على أسرارِ عملِها.

امنة العمراني بملابسها الريفية تدير عملها/ حلم أخضر

المصادر والمراجع:

– محمد القاضي، جريدة الرياض السعودية، العدد 14101./ 1 فبراير2007.

– خالد الحمادي، موقع مأرب برس، سبتمبر/أيلول 2007.

– مجلة فوربس (النسخة العربية). أبريل/نيسان من العام 2006.