ليست ظاهرة الإخفاء القسري والتعذيب جديدة على المجتمع اليمني، لكن الحرب التي يعيشها اليمن منذ خمس سنوات كشفت القناع عن تسابق أطراف النزاع لممارستها بكثافة وبشاعة.
قال صالح: أن جنديين أو ثلاثة ملثمين طلبوا منه الاعتراف بصلته بالقاعدة، ضربوه بأعقاب البنادق وركلوه بالبيادات العسكرية، وكهربوه ليعترف بذلك، آثار التعذيب كانت واضحة على ظهره وبطنه، فيم بدى وجهه “متورمًا” و”مزرقًا” باستمرار.
لم تكن حادثة اعتقال صالح (اسم مستعار) بشكل مفاجئ وهو في أحد شوارع عدن هي الصدمة الوحيدة التي خلفت أسى في قلب والدته، فالتراجيديا التي حدثت له خلال عام وثلاثة أشهر لا تصدق.
“أنكروا وجود ابني منذ اختطافه، لم أدرِ ما التهمة المنسوبة إليه، بحثت عنه في أهم مراكز الاحتجاز وسجون وإدارات الأمن في أبين وعدن، لكنهم أنكروا وجوده! بعد عام وثلاثة أشهر تقريبا من اختفائه اتصلت بي والدة محتجز تم إطلاق سراحه، لتخبرني بأن لدى أبنها معلومات عن ولدي، أحسست وقتها بأني سأطير من الفرح، لكن شاهد عيان حكى لي أن ولدي وجهت له العديد من التهم، من بينها أنه المسؤول المالي للقاعدة”.
واقعة احتجاز (صالح) واحد من 1605 واقعة احتجاز تعسفي، و770 واقعة اختفاء قسري، و344 واقعة تعذيب، منها 66 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز لدى مختلف أطراف النزاع بحسب تقرير “في العتمة” الذي أصدرته منظمة مواطنة للحقوق الإنسان اليمنية.
انتهاكات مشتركة
ليست ظاهرة الإخفاء القسري والتعذيب جديدة على المجتمع اليمني، لكن الحرب التي يعيشها اليمن منذ خمس سنوات قد كشفت القناع عن تسابق أطراف النزاع لممارستها بكثافة وبشاعة.
في معظم الحالات لم تكن التهم الموجهة للضحايا واضحة وفي أوقات كان اللقب سبب كاف للاعتقال في معتقلات قانونية أو غير قانونية يتم فيها إهانة المحتجزين وتعذيبهم وحتى قتلهم بطرق تتعارض مع القوانين والأعراف الدولية، بحسب شهادات حصلت عليها منظمة مواطنة.
أخذ جنود (صالح) إلى غرفة التعذيب حوالي الساعة 10:00 مساء، علقوه على كلاليب (خطافات) حديدية، وعذبوه بالكهرباء، قُلعت أظافره، ونتف شعر رأسه، وضُرب بطريقة وحشية بعدها استمر معلقا” قال شاهد عيان، وتابع: “كاد قلبي يتمزق حين أمرنا الجنود بإنزاله وحفر قبر له، دفناه عند الساعة 04:00 فجرًا في فناء قاعة وضاح، لم يكن صالح أول من يموت تحت التعذيب، بل هناك مقبرة في فناء قاعة وضاح”.
توفي صالح في مكان الاحتجاز يوم الثلاثاء، 2 يناير / (كانون الثاني) 2018. وأُجبر معتقلون آخرون على دفن صالح في فناء قاعة وضاح، لم يُسمح لهم بأداء أي طقوس دينية كجزء من الدفن، وكانت والدة أحد هؤلاء المعتقلين هي التي أبلغت عائلة صالح بوفاته. بعد أن ظل صالح مختفيًا قسرًا لأكثر من عام.
سجلت جماعة أنصار الله (الحوثيون) أعلى عدد من الانتهاكات بلغت 904 واقعة من الاحتجازات التعسفية أو المسيئة، و353 من وقائع الاختفاء القسري، و138 من وقائع التعذيب منها 27 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز، بينما تتحمل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا المسؤولية عن 282 من الاحتجازات التعسفية أو المسيئة، و90 من وقائع الاختفاء القسري، و65 من وقائع التعذيب منها 14 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز ، وتتحمل القوات الإماراتية وجماعات مسلحة تابعة لها المسؤولية عن 419 من الاحتجازات التعسفية أو المسيئة، و327 من وقائع الاختفاء القسري، و141 من وقائع التعذيب منها 25 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز.
تقول أمة السلام الحاج، رئيسة رابطة أمهات المختطفين: “بعد محاولات عديدة خلال الأعوام الماضية استطاعت الرابطة إيجاد صدى لقضية المعتقلين، وقام فريق الخبراء من الأمم المتحدة بمناشدة جميع الأطراف إطلاق سراح المعتقلين والمخفيين قسراً”، ” لكن هناك تعنت من قبل الجهات المتورطة خاصة جماعة الحوثي والتشكيلات الأمنية في عدن، جعلت من الرهائن المدنيين ورقة لمقايضتهم بعسكريين منخرطين في الحرب”.
الجدير ذكره، أن الرابطة كانت قد نظمت وقفات احتجاجية في 16 يونيو/ حزيران أمام مقر قوات التحالف العربي في مديرية البريقة بالعاصمة المؤقتة عدن، طالبت خلالها الجهات المعنية بالكشف عن مصير أبنائنا المخفيين منذ 2016 وإطلاق سراح جميع المخفيين والمعتقلين.
إذ رصدت الرابطة في بيان لها ما يربو عن “40” مختفي قسري لدى كل من جماعة أنصار الله والمليشيات العسكرية والأمنية بعدن والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، توالت أعوام اعتقالهم دون معرفة مصيرهم أو وضعهم الصحي، خاصة في ظل تفشي الأوبئة والحميات منها فيروس كوفيد-19 .
وذكر البيان تعرض أكثر من (2070) مختطف ومعتقل بينهم (5) سيدات للتعذيب الجسدي والنفسي القاسي، المتمثل بـ “الاعتداء الجنسي، الحرق، الضرب بالأدوات الحادة، الصعق بالكهرباء، التعليق بالأيدي لأيام وأسابيع والتهديد بالقتل”.
ما تسبب لهم بعاهات مستديمة مدى الحياة وأضرار صحية ونفسية جسيمة، من بينهم (8) حالات إصابة بالشلل، (7) جلطات، (10) اضطراب نفسي وعقلي، (7) أمراض الكلى المزمنة، (7) حالات ضعف في البصر نتيجة سوء الإضاءة والتهوية، و(3) ضعف السمع.
أرقام أكدتها منظمة مواطنة الحقوقية، في تقريرها المعنون بـ “في العتمة: وقائع الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب في مراكز الاحتجاز غير الرسمية”، خلال الفترة مايو/ أيار 2016 – أبريل/ نيسان 2020
تحدث في جزءه الأول عن وجود 11 مركز غير رسمي مورس فيها حالات احتجاز تعسفي وتعذيب، فيما سلط الجزء الثاني من التقرير الضوء على وقائع الاختفاء القسري في المناطق التي تقع تحت سيطرة ثلاثة أطراف رئيسية: جماعة أنصار الله (الحوثيين)، القوات الموالية للرئيس هادي والمحسوبة على حزب الإصلاح في مأرب وتعز، والقوات الإماراتية والقوات الموالية للإمارات كالمجلس الانتقالي الجنوبي.
من جهتها قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لـ “خيوط”: أن غياب المساءلة والإنصاف يظهر جلياً في القسوة المفرطة التي تتعامل بها جميع أطراف النزاع مع المحتجزين في اليمن، إذ لم يقتصر الأمر على الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري – ويعد الأخير جريمة ضد الإنسانية بحد ذاته – لكنه تجاوز ذلك إلى وسائل تعذيب مرعبة أدت إلى وفاة عشرات الحالات”.
مضيفةً:” أنه بالرغم من ثقل وتنوع الانتهاكات المصاحبة لهذه الحرب، إلا أن ملف الاحتجازات التعسفية وما ترتب عليه من إمعان في الأذى شكل أقسى أنماط الانتهاكات، التي يجب أن تنتهي فوراً.
مستطردة: “استطاعت مواطنة عبر وحدة الدعم القانوني وبالتعاون مع جهات أخرى من إطلاق عدد من المحتجزين وإيصال آخرين بأهاليهم، ومع ذلك ما تزال أعداد المحتجزين والمختفيين كبيرة، وبحاجة لتكاتف الجهود لأنهاء المعاناة اليومية عنهم من قبل جميع أطراف النزاع.”
ممارسات خارج القانون
“أتوا بعد منتصف الليل لاحتجاز فهيم الذي كان يعمل حارسًا لمستودع، ثم اعتقلوا حسام من القرية المجاورة في ذات الوقت، دون أن نعرف السبب، ولأننا من المهمشين ولا أحد يحمينا، زُجّ بالشابين في سجن مدينة الصالح” قال عم فهيم ل “مواطنة”.
فهيم وحسام مواطنان من محافظة تعز مديرية الصلول تم اعتقالهما بعد منتصف ليلة الثلاثاء 4 أبريل/ نيسان2017، حيث أقدم خمسة مسلحين يرتدون ملابس مدنية تابعين لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بقيادة مشرف المنطقة على احتجاز شابين من فئة المهمشين من منزليهما في مديرية الصلو، محافظة تعز، واقتيدا معًا على متن سيارة تويوتا “بيك أب” إلى إحدى إدارات الأمن الخاضعة لسيطرة الجماعة، ليتم نقلهم صباحاً إلى مركز احتجاز “مدينة الصالح”.
ويعقب: “قمنا برفع شكاوى إلى إدارة أمن المديرية وإلى إدارة أمن المحافظة، قوبلت بالرفض والإهمال، ثم تابعنا القضية لدى مسؤولين ومشرفي أنصار الله (الحوثيين)، لكنهم أكدوا لنا بعد أربعة أشهر من المتابعة عدم إمكانية الإفراج عنه، لم تثمر جهودنا ولا الأموال التي دفعناها، بل أنه لم يُسمح بزيارتهم طيلة مدة الاحتجاز، وجهت له في النهاية، تهمة سرقة مواد كانت في المستودع الذي كان يعمل فيه دون دليل أو شكوى من الجهة التي عمل لديها، ينهي عم فهيم كلامه”
فيم أفراج (الحوثيون) عن حسام بعد سنة ونصف من الاختفاء القسري وسوء المعاملة في “مدينة الصالح” إذ بدى في حالة مزرية، تظهر عليه آثار سوء معاملة، أودت بحياته يوم الأربعاء 3 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
يقول قريب له زاره بعد خروجه من المحتجز: ” كان هزيل الجسم وشاحبًا، ولا يستطيع الحديث أو الحركة، ولم نستطع معرفة ما الذي تعرض له في مدينة الصالح، يبدو أنه عاش أيامًا عصيبة وتعرض للتعذيب”.
يعمل فريق وحدة الدعم القانوني (محاميات ومحامون) في مواطنة لحقوق الإنسان، بشكل حثيث من أجل الإفراج عن المحتجزين في مختلف المناطق لدى جميع الأطراف، بحسب سماح سبيع -مديرة وحدة الدعم القانوني في منظمة مواطنة لـ “لخيوط”، مؤكدة أن تلك الجهود ساهمت في الإفراج عن مئات المحتجزين، في حين لا يزال الفريق يعمل من أجل الإفراج عن بقية من المحتجزين لدى مختلف الأطراف في 17 محافظة يمنية من أصل 22 محافظة.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن لجميع المتهمين الحق في محاكمة عادلة ، يراعى فيها كل ما من شأنه حفظ كرامة وإنسانية المحتجز بمقتضى الميثاق الدولي للحقوق الإنسان وبموجب المادة 55 منه التي تعزيز قيم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومراعاتها على مستوى العالم، وانطلاقاً من المادة 5 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص جميعها على عدم جواز تعريض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، وهو يتم انتهاكه خاصة في ظروف الحروب والنزاعات .
نشر هذا الموضوع في موقع خيوط اليمني.