الشرطة العسكرية- تعز

الحملة الأمنية بـ"التربة".. لماذا، وما الذي حدث، ولماذا انسحبت الشرطة العسكرية؟!

ؤخرا، ساد هدوء حذر مدينة التربة- جنوبي غرب محافظة تعز اليمنية- بعد ستة أيام من ‏التوتر بين الحملة العسكرية المكلفة من المحافظ لإحضار مطلوبين أمنيًا، وبين مجاميع مسلحة وقوات عسكرية خارجة عن الدولة تقوم بحمايتهم.
 
وكانت مدينة التربة (مركز مديرية الشمايتين)، شهدت توترا أمنيا وعسكريا لقرابة أسبوع، على ‏خلفية مطاردة قوات من الشرطة العسكرية لمطلوبيين أمنيا، خارجين عن القانون، ينتمون إلى ‏اللواء 35 مدرع، ويتحركون بحماية مجاميع مسلحة تابعة لكتائب أبو العباس، المسنودة ‏بعناصر يتبعون طارق صالح قائد ما يسمى "حراس الجمهورية" الموالي للإمارات. ‏
 
وتُتهم تلك المجاميع المسلحة، المدعومة من الإمارات، بمحاولة فرض سيطرتها بالقوة على مدينة التربة ومحيطها، والتي تسعى منذ فترة نحو تفجير الوضع في الريف الجنوبي لمحافظة تعز، في محاولة لفصل المدينة عن إدارة المحافظة ومحور تعز العسكري.‏
 

خلفية الأحداث الأخيرة

تعود الأحداث الأخيرة، بداية، إلى أختطاف رئيس اللجنة المكلفة من محافظ تعز بتحصيل ضريبة القات، من منطقة "السمسرة"، من قبل مجاميع مسحلة تتبع المدعو "عبد الناصر الدغيش".
 
و"الدغيش"، الذي ينتمي ومجاميعه إلى اللواء 35 مدرع، هو أيضا المحصل السابق لضريبة القات في منطقة السمسرة، وتم ايقافه مؤخرا من قبل المحافظ بتهم فساد، بينها تحصيل ضرائب بدون سندات رسمية.
 
في 28 يونيو/حزيران الماضي، انطلقت حملة أمنية بتكليف من محافظ تعز نبيل شمسان، لضبط ‏المطلوبين المتورطين في واقعة اختطاف رئيس لجنة التحصيل المكلف من المحافظ.
 
وفي حينه أعلنت الشرطة العسكرية، في بيان رسمي، نجاحها في إطلاق سراح رئيس لجنة ‏التحصيل الضريبي، مع تأكيدها على الاستمرار بملاحقة المتورطين في الواقعة، بقيادة المدعو ‏عبدالناصر الدغيش، الذي تمكن ومسلحيه من الفرار.
 


وأكد مصدر أمني مطلع على تفاصيل الحادثة، لـ"يمن شباب نت"، إن قيادة اللواء 35 مدرع ‏كانت في البداية قد "وعدت بتسليم المطلوبين إلى الحملة الأمنية"، مضيفا "وبينما كانت ‏الحملة تنتظر تسليم الجناة، تلقت بلاغا بأن الدغيش ومجاميعه المسلحة بدأت بالانتشار على ‏التلال والجبال في منطقة السمسرة، وحين قامت الحملة الأمنية بالتواصل مع قيادة اللواء 35، تنصلت الأخيرة عن وعدها، ومسؤوليتها".‏
 
وبحسب المصدر، الذي طلب عدم كشف هويته لعدم تخويله التحدث إلى وسائل الإعلام عن الحادثة، فإن عدم تسليم المطلوبين دفع قوات الشرطة العسكرية، المكلفة بقيادة الحملة الأمنية، إلى ‏الانتشار في مدينة التربة ضمن حملتها لملاحقة المطلوبين.‏
 
وأنتشرت 13 دورية من قوات الشرطة العسكرية في مدينة التربة. وأكد قائد الشرطة العسكرية العميد محمد سالم الخولاني، من أن انتشار قواته في المدينة كان الهدف الأساسي منه ‏ملاحقة المطلوبين وضبطهم.‏
 
وأضاف الخولاني لـ"يمن شباب نت": "وجدنا فراغا أمنيا كبيرا في مدينة التربة، التي تتواجد فيها ايضا عناصر متهمة باغتيال افراد الجيش الوطني، كانت فرت إليها عقب ملاحقتها من قبل الحملة الأمنية ‏في شهر إبريل الماضي، لذلك فقد اضطررنا إلى ملئ هذا الفراغ".‏
 

استغلال وتوترات وتهدئة 
 
وبالتزامن مع انتشار دوريات قوات الشرطة العسكرية في المدينة، شرعت مجاميع ‏مسلحة لكتائب القيادي السلفي عادل عبده فارع المكنى بـ"أبو العباس" المدعوم إماراتيًا، ‏وجنود تابعين للواء 35 مدرع، بالانتشار في المرتفعات الجبلية.‏
 
وقال محمد الزريقي (30 عامًا)، من سكان مدينة التربة، إنه شاهد بعينيه ستة أطقم تمر، وعلى متنها مسلحين تابعين ‏لكتائب أبي العباس، مسنودين بآخرين تابعين لقوات طارق صالح (نجل شقيق الرئيس السابق).
 
وأضاف الزريقي لـ"يمن شباب نت": المشهد في التربة بات يوحي بانفجار حرب، ومن الواضح أن هناك محاولات لتعقيد الأوضاع في ‏التربة، خصوصًا، والشمايتين بشكل عام، استعدادًا لتفجير الوضع.‏
 
وعلى إثر ذلك التوتر، شكّل محافظ تعز لجنة لاحتواء ‏الوضع في مدينة التربة، بقيادة العميد عبد الرحمن الشمساني قائد اللواء 17 مشاة، وعضوية كل من مدير عام الشرطة بالمحافظة العميد منصور الأكحلي، وقائد قوات الأمن الخاص العميد جميل عقلان.
 
وفي 30 يونيو/ يونيو الفائت، أي بعد يومين فقط من إنتشار الحملة، وجه المحافظ برقية إلى اللجنة التي شكلها، طالبها فيها بـ"الإعادة الفورية" لقوات وأطقم الشرطة العسكرية إلى مقرها ‏في مركز المدينة.‏
 
لكن اللجنة، التي شرعت بتنفيذ مهامها اليوم التالي مباشرة- (أي في 1 يوليو/ تموز الجاري)- من توجيهات المحافظ لها، واجهت صعوبات أثناء تحركها في الطريق التي تم قطعها عليهم ومنعهم من الوصول إلى ‏وجهتهم (مدينة التربة)، الأمر الذي اضطرها للعودة إلى مركز المدينة "حقنًا للدماء" بحسب برقية رفعهت إلى المحافظ، بتوقيع رئيس اللجنة- قائد اللواء 17 مشاة- وعضو اللجنة مدير عام ‏الشرطة.‏
 

 
وبحسب ما أوضحت البرقية المذكورة، فقد شرعت اللجنة بتنفيذ توجيهات المحافظ، وتحركت من مدينة تعز باتجاه مدينة التربة، إلا أنها أوقفت- بداية- من قبل نقطة الأمن ‏الخاص في منطقة البيرين، الذين- بحسب ما جاء في البرقية: "افادوا بأن التوجيهات تقضي بأن ندخل التربة بأربعة أطقم، طقمين بطقمين.." (أي طقمين ‏من اللواء 17، وطقمين من إدارة عام الشرطة).‏
 
ثم حين وصلت اللجنة إلى ‏مدخل النشمة- تواصل البرقية: "وجدت الخط مقطوعا بأكثر من مكان من قبل افراد الأمن الخاص وأفراد من اللواء ‏‏35 مدرع، وآخرين منتشرين في التباب المطلة على الخط العام". حسب ما جاء في المذكرة‏، التي أضافت: "فتواصلنا معكم (أي المحافظ) وقررنا العودة لمدينة تعز حقنًا للدماء وحفظا للأمن والاستقرار".‏
 

اشتباكات مسلحة

وأدى تعثر وصول اللجنة إلى مدينة التربة إلى استغلال الوضع من قبل مسلحين يتبعون كتائب ابو العباس ومن يساندونهم من قوات طارق صالح، وذلك عبر تحركات ميدانية ‏نشطه بهدف السيطرة على جبل ‏صبران الاستراتيجي المطل على مدينة التربة.‏ بحسب تأكيدات مصادر محلية.
 
وقالت تلك المصادر لـ" يمن شباب نت" إن القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام الشيخ ‏محمد عبدالولي الشرجبي، وقيادات أخرى تدعمها قوات طارق صالح، سعت إلى استغلال تعثر ‏وصول اللجنة، واستباقًا لأي إجراءات لاحقة متوقعة، دفعت بمجاميع مسلحة فجر يوم السبت الفائت (4 يوليو/ تموز)، إلى جبل صبران بهدف السيطرة ‏عليه.‏
 
وأضافت المصادر: "إلا أن الجنود المنتشرين على قمة الجبل، تمكنوا، بمساندة الأهالي، من اعاقة تقدم تلك المجاميع المسلحة إلى الجبل، بعد أن اشتبكوا معهم في معارك عنيفة، خلفت سبعة ‏جرحى من الطرفين".
 
ومع أن تلك المحاولة والاشتباكات حدثت في ظل انتشار دوريات الشرطة العسكرية بالمدينة، إلا أن المصادر نفت أن تكون قوات الشرطة العسكرية قد تدخلت في تلك المواجهات.
 
وكشفت المصادر نفسها أن كتائب ابو العباس ‏والمجاميع المحسوبة على طارق صالح، تسعى منذ زمن، بمساندة جنود وضباط في اللواء 35 مدرع، إلى ا‏لسيطرة على جبل صبران لما يمثله من أهمية استراتيجية، وذلك ضمن أهدافها ومخططاتها المشبوهة بفرض السيطرة على المدينة ومحيطها، وإخراجها كليا عن إدارة قيادة المحافظة الإدارية والعسكرية، وجعلها جزء تابعا للساحل الغربي بقيادة طارق صالح.
 
وتمثل أهمية هذا الجبل، كونه يطل على مدينة التربة، وعلى عدد من العزل، هي: شرجب و ‏ذبحان وبني غازي والمشارقة والاكاحلة، في الوقت الذي يشرف فيه أيضا على الخط الرئيس الرابط ‏بين مدينة التربة والعاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد).
 

ضغوطات وانسحاب



 
وبعد مضي ستة أيام (29 يونيو – 5 يوليو) على التوتر، تدخل مسؤولون في ‏الحكومة الشرعية- بحسب ما يشاع على نطاق واسع- للضغط على محافظ المحافظة بسحب دوريات الشرطة العسكرية، بدلا من تشجيعه بالإبقاء عليها حتى تنتهي مهمتها بالقبض على المطلوبين وفرض هيبة الدولة.‏
 
‏ وكشف مصدر مسؤول في محافظة تعز عن أن اتفاقية انسحاب الشرطة من المدينة جاء على وقع ضغوطات من ‏رئيس مجلس النواب سلطان البركاني ورئاسة أركان الجيش.‏
 
وكانت لجنة التهدئة المُشكلة من محافظ تعز ‏تمكنت الأحد الماضي من الوصول إلى مدينة التربة، وقامت بزيارة جبل صبران والتقت أهالي المنطقة، وشددت على ‏ضرورة إخلاء الجبل من أي مجاميع مسلحة وعدم استخدامه في أي عمل عسكري.‏
 
وبحسب المعلومات فقد اتفقت اللجنة أيضا، بعد وصولها التربة، على عودة بعض أطقم الشرطة العسكرية، ‏على أن يبقى البعض الأخر حتى تسليم المطلوبين أمنيًا الى مقر قوات الشرطة العسكرية في ‏مدينة تعز.‏
 
وحول الجهة الضامنة لتسليم المطلوبين، أوضح المصدر المسئول بالمحافظة لـ"يمن شباب نت" أن لجنة التهدئة تتولى مسؤولية ‏ذلك، وتعهدت بتسليم المطلوبين خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة.‏
 
ويقول قائد الشرطة العسكرية العميد محمد الخولاني لـ"يمن شباب نت" إنه تفاجئ بتشكيل لجنة "لإعادة أطقم الشرطة العسكرية إلى تعز"، في الوقت الذي كانت فيه قواته تنتشر في مدينة التربة، في وسط مهمة رسمية لم تكن قد انتهت منها..!!
 
وأضاف: ومازلنا حتى الأن (الأثنين الماضي) ننتظر تسليم المطلوبين، بحسب وعود اللجنة المشكلة من محافظ ‏تعز.‏
 
وبهذا الشأن، كشف المصدر المسئول بالمحافظة لـ"يمن شباب نت" أن المطلوبين كانوا فعلا في طريقهم إلى السجن، لكن جرى التقطع لهم من قبل ضابط باللواء 35 مدرع، يدعى رائد الحاج، ‏وتحريرهم أثناء قيام قوات الأمن الخاص بنقلهم إلى السجن.‏
 
وفيما يتعلق بمسألة إنسحاب المجاميع المسلحة من التربة، يؤكد قائد الشرطة العسكرية العميد الخولاني لـ"يمن شباب نت" أنها "لا تزال متواجدة ‏هناك، بل ومنتشرة بشكل لافت جدا"، منوها إلى أن التربة "تعيش انفلاتا أمنيا كبيرا بسبب غياب عمل الأجهزة ‏الامنية".‏
 
وبحسب المصدر المسئول في المحافظة، الذي تحدث لـ"يمن شباب نت" فإنه في حال عدم تنفيذ الاتفاق "سيتم اعادة الحملة الأمنية، وانشاء فرع ‏للشرطة العسكرية بمدينة التربة وتفعيل دور الأجهزة الأمنية".‏
 
لكن مصادر آخرى في قيادة المحور أكدت لـ"يمن شباب نت" أن قرار إنشاء فرع للشرطة العسكرية بالتربة، لا علاقة له بالإتفاق، فهو إجراء سيادي لا يخضع للمساومة أو الاتفاقات مع أي طرف كان.
 
وأضافت المصادر: صحيح أن مثل هذا القرار تأخر كثيرا، بسبب الظروف، لكنه اليوم أصبح أمرا ملحا، أكثر من أي وقت مضى، لضبط الأمن وفرض سيادة الدولة على أراضيها المحررة.
 
 
مطالبات بإخراج المليشيات
 
وأثارت تلك الأحداث، الأخيرة، في التربة استياءً شعبيا واسعا، وسط تحذيرات من خطورة التهاون مع مشاريع التقسيم والتجزئة في محافظة تعز ومديرياتها. الأمر الذي ‏جعل معظم المواطنيين هناك يشعرون بارتياح كبير لوصول دوريات الشرطة العسكرية وانتشارها في المدينة، في ظل مطالبات متكررة بفرض هيبة الدولة عبر حضور أجهزتها الأمنية الرسمية.‏
 
وأعتبر "تكتل دعم الشرعية وتحرير محافظة تعز"، أن انتشار الشرطة ‏العسكرية في مدينة التربة "أزعج المطلوبين أمنياً، وأصحاب المصالح الشخصية والمنتفعين ‏من التوريدات الضريبية".‏
 
وشدد البيان، الصادر يوم الجمعة الماضية، على ضرورة قيام الحكومة الشرعية بفرض هيبة الدولة وتطبيق القانون وتعزيز ‏تواجدها في كل مديريات المحافظة المحررة.‏
 
ودعا البيان إلى حل كافة الاشكاليات بين الأجهزة الأمنية، والعسكرية وتوحيد قرارها، ومحاسبة ‏ومحاكمة كل من يتمرد على قرارات قيادة السلطة المحلية والعسكرية في المحافظة،
 
وفي الوقت الذي شدد فيه البيان على ضرورة ضبط المطلوبين أمنياً، وانهاء كافة أعمال البلطجة والتقطعات على طول ‏مديريات محافظة تعز، طالب بطرد كافة الجماعات المسلحة والمليشيات المتواجدة في ‏التربة، ونقل كافة المعسكرات المتواجدة بالمدينة الى مسرح عملياتها العسكرية.‏
 
كما شدد على ضرورة دعم قوات الشرطة العسكرية وبقية الأجهزة الأمنية لتمكينها من القيام ‏بواجبها، وإلزام كافة الوحدات الأمنية والعسكرية برفع مستوى الحذر الأمني منعا لتسلل مجاميع ‏من مليشيا الحوثي عبر المخاء الى مدينة التربة.‏
 
وأكد البيان على أهمية حماية تعز من التقسيم والتجزئة وإفشال كافة المخططات التي تسعى ‏لفصل الحجرية عن تعز. داعيًا الحكومة الشرعية إلى سرعة استكمال تحرير محافظة تعز من ‏الحوثيين، واستعادة مديرية المخا والساحل التابعة لمحافظة تعز من قبضة القوات المدعومة ‏إماراتيًا.‏
 
من جهتها أكدت لجنة الاسناد والتواصل المجتمعي بمحافظة تعز على ضرورة تعزيز وحدة ‏الصف الداخلي ودعم واسناد مؤسسات الدولة المدنية واجهزتها العسكرية والأمنية بالمحافظة.‏
 
وأعلنت اللجنة في بيان يوم الأحد، رفضها القاطع لكل ما ‏من شأنه إثارة القلاقل والاختلالات الامنية بالمحافظة وكل ما من شأنه تمزيق النسيج ‏الاجتماعي أو ينتقص من اخلاق وقيم المجتمع التعزي تحت أي مسميات كانت.‏
 
ودعت اللجنة، ضمن بيانها، قيادة اللجنة الأمنية إلى القيام بواجباتها القانونية والعمل على بسط سلطة الدولة على كل ‏شبر فيها وإنفاذ سلطة القانون ضد كل من يحاول المساس بهيبة الدولة واثارة الفوضى ‏والاختلالات الامنية بالمحافظة.‏
 
كما دعت اللجنة، في الوقت ذاته، وزارة الدفاع وقيادة هيئة الأركان وقيادة محور تعز واللجنة الامنية ‏بالمحافظة، إلى سرعة تنفيذ القرارات السابقة المتعلقة بالأمور العسكرية والامنية بالمحافظة  ‏وإلزام الوحدات العسكرية بالعمل والانتشار وفق مسرح العمليات التابع لكل وحدة منها.‏