من ينظر إلى تلك المجموعة من الصور الصغيرة لنساء وأطفال يمنيين يحملون لافتات، يلاحظ تعبير البؤس على وجوهمم المكشوفة.
وتقول إحدى اللافتات: "أعيدوا ابني إلي"، وتقول أخرى: "أعيدوا أخي إلي"، وثالثة: "أعيدوا أبي إلي". وهؤلاء جميعا من الرجال الذين اختفوا في اليمن.
وصلتني هذه الصورة الجامعة عبر تطبيق واتس آب من مجموعة تعرف باسم "جمعية أمهات المخطوفين".
ولا تمثل تلك الصورة سوى عدد قليل ممن يعانون بسبب اختفاء مئات ممن يختفون قسريا في اليمن، ذلك البلد الذي تتقاتل فيه قوات من المتمردين مع القوات الموالية للحكومة منذ عام 2015.
وأخذت تلك الظاهرة تزداد سوءا خلال السنوات الأربع الماضية.
وقد وثقت مجموعة حقوق إنسان محايدة، تدعى "مواطنة"، تراقب حالات الاعتقال العشوائي، والاختفاء القسري، والتعذيب والموت في الاعتقال في أنحاء اليمن، كثيرا منها في آخر تقرير لها.
من بين تلك الحالات، حالة عثمان عبده، البالغ 21 عاما، الذي اختطفه مسلحون يرتدون ملابس مدنية قبل أربع سنوات تقريبا من ساحة مسجد يقع بالقرب من منزله في مديرية همدان القريب من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون.
ثم وضع في سيارة بدون لوحة أرقام، وأخذ إلى مكان مجهول.
ولم تعرف أسرة عثمان مكان وجوده إلا عندما تلقوا مكالمة هاتفية منه بعد أربعة أشهر من اختفائه، ليخبرهم بأنه محتجز لدى جهاز الأمن السياسي، الذي يديره المتمردون في صنعاء.
وبعد محاولات أقاربه الكثيرة، سمح لهم بزيارته في فبراير/شباط 2017.وقالت والدة عثمان لجمعية مواطنة: "عندما رأيته لأول مرة، كانت حالته مثيرة للشفقة، وكان من الواضح أنه عُذب".
"كان رسغه مكسورا، ويشكو من الألم في مفاصله وظهره".
وقال أقارب الشاب إنه عومل بطريقة سيئة، وإنه كان بحاجة إلى الرعاية الطبية، وقد رفض القائمون على مكان احتجازه طلبهم توفير هذه الرعاية له.
وقالت الأم إنها اضطرت إلى بيع منزل الأسرة لتغطية تكاليف القضية، والإنفاق على ابنها خلال احتجازه. وقد حقق معه واتهم بالتعاون مع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والذي يقاتل المتمردين، دعما للحكومة.
قتل ودفن
لقد أصبحت قصة عثمان وأمثاله أمرا شائعا في اليمن.
وكشف تقرير "مواطنة" عن صورة قاتمة لـ11 مركز اعتقال غير رسمي تديرها أطراف الصراع في اليمن، يدير بعضها متمردو الحوثيين، الذين تدعمهم إيران، ويدير بعضها الآخر أعداؤهم من الجماعات المسلحة الموالية للحكومة اليمنية، وفصائل عسكرية متحالفة مع السعودية والإمارات.
ويستهدف الضحايا بسبب دعمهم، أو الاشتباه في دعمهم، للجانب الآخر في الصراع، ويستخدم الاختفاء وسيلة لفرض السلطة على مناطق تقع تحت سيطرة فصيل ما.
وتنفي جميع أطراف الصراع الإقرار بالاعتقال العشوائي.
ويوثق تقرير منظمة "مواطنة" أكثر من 1600 حالة اعتقال عشوائي، منها 770 حالة اختفاء قسري، 344 حالة تعذيب، منذ عام 2016، ويتضمن أيضا روايات لمعتقلين سابقين، أو لأقارب لهم، أو لشهود عيان، أو لمحامين.
وأكد محققون وفاة 66 شخصا في الاعتقال، كثير منهم بسبب التعذيب، الذي يشمل الصدمات الكهربائية، والتعليق، والضرب والتشويه، ويخشى أن يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك.
وأحد هؤلاء الضحايا الكثيرين، الذين لم يعودوا، صالح (وليس هذا اسمه الحقيقي) البالغ 26 عاما، وكان قد خطفه سبعة أشخاص ملثمين من قوة موالية للانفصاليين، في المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من قبل الإمارات.
كان صالح قد عصبت عيناه، ووضع في سيارة عسكرية، وسيق إلى مديرية خنفر، في محافظة أبين في 16 سبتمبر/أيلول 2016.
وظل مصيره ومكان وجوده مجهولين على عائلته لمدة 15 شهرا، حتى علموا بموته من أحد أقارب معتقل آخر كان محتجزا معه.
وقالت والدة صالح: "عذبوا ابني، وقتلوه، ودفنوه، ولم أستطع رؤيته، ولم أتسلم جثته". وقد دفن ابنها في المكان نفسه الذي قتل فيه، بدون أي مراسم.أما أقاربه ومحبوه، ومئات آخرون مثلهم، فلا تزال آلامهم مستمرة.