طيلة العقدين الماضيين، تعرضت البيئة البحرية في اليمن، للكثير من التهديدات والكوارث البيئية التي تسببت بها ناقلات تخزين النفط والوقود، من خلال انسكاب وتسرب الآلاف الأطنان من مادتي النفط والمازوت داخل المياه الإقليمية اليمنية. مما أدى الى تلوث مساحات واسعة من الشواطئ ببقع الزيت والزبد الأسود، ونفوق كميات كبيرة من الأسماك والاحياء البحرية.
وطيلة 8 سنوات، عمل موقع “حلم أخضر” على رصد وتوثيق غالبية تلك الكوارث التي تسببت بها ناقلات النفط العملاقة، من خلال تغطية تلك الأحداث في تقارير وأخبار تم نشرها في حينها، على هذا الموقع الالكتروني. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.
يلخص هذا التقرير في تسلسل زمني موجز، قصة أبرز الكوارث البيئية التي شهدتها السواحل والمياه اليمنية، من جراء تسرب النفط والمازوت من داخل ناقلات تخزين النفط الخام. ويعرض كيف تعاملت السلطات اليمنية مع كوارث التلوث، وكيف تواطئ بعض المسؤولين اليمنيين في لجان التحقيق في كوارث التلوث البيئية، مع الجهات والشركات المتسببة بتلوث البيئة البحرية اليمنية طيلة السنوات الماضية. إليكم مختصر:
انفجار الناقلة الفرنسية “ليمبورج”
في 6 أكتوبر/تشرين الأول العام 2002، شهدت البيئة البحرية اليمنية أول حادثة تسرب نفطي في المياه الإقليمية اليمنية، نتيجة انفجار ناقلة تخزين النفط الفرنسية “ليمبورج Limburg”، أثناء دخولها ميناء “الضبة” بمديرية الشحر الواقعة في الساحل الجنوبي لليمن، وقد تسبب ذلك الانفجار الذي حطم الجزء الأساسي لناقلة النفط الفرنسية، إلى تسرب أكثر من 8,000 ألف طن من الزيت الخام، لداخل شواطئ الضبة.
طبقاً للمعلومات، حدث الانفجار في ناقلة النفط “ليمبورج” التي دخلت الخدمة منذ سنتان (آنذاك) قرب ميناء الضبة، في محافظة حضرموت جنوب البلاد. وكانت الناقلة العملاقة تحمل على متنها قرابة 400,000 ألف برميل من النفط، وعندما أبطأت من سرعتها حتى يصعد أحد الملاحين الذي كان يستغل مركباً. وفجأة اندلع حريق هائل، وتبعه انفجار ضخم، أو كان هنالك حريقاً ثم تبعه الانفجار.
حينها، أفادت الشركة الفرنسية المالكة لناقلة النفط، وكذلك الحكومة الفرنسية بان الحادث كان عملاً إرهابياً. وقالت السلطات اليمنية بأنه كان هناك حريقاً قد اشتعل في بادئ الأمر وهو الذي أدى إلى الانفجار. وبعد 4 أيام من الحادثة، اعترفت اعترفت السلطات اليمنية ان احتراق الناقلة الفرنسية كان نتيجة هجوم متعمد.
وقال لشبكة BBC (آنذاك) وزير السياحة اليمني، عبد الملك الأرياني، إن التلوّث البيئي الناتج عن حادث تفجير ناقلة النفط الفرنسية بلغ حدّا كبيرا جدا. وأكد الوزير الأرياني بأن مساحة التلوث في مياه المحيط من جراء تسرّب النفط بلغت 500 كيلومترا مربع. وأضاف أن الأسماك التي نفقت طفت قبالة شواطئ مدينة المكلّا إلى جانب جيف الطيور.
كارثتا تلوث بحري في 2009
في 19 يناير/كانون الثاني العام 2009، كشف تقرير حكومي أصدرته لجنة السياحة والبيئة في مجلس الشورى اليمني، عن وجود تلوث نفطي وعناصر ضارة تعاني منها البيئة البحرية في اليمن، وطالب مجلس الشورى آنذاك بضرورة مكافحته بالوسائل الميكانيكية واليدوية والتقليدية، وعدم استخدام المشتتات الكيميائية إلا في أضيق الحدود وطبقاً لسياسة الدولة في هذا المجال. ولم يفصح التقرير عن اسم المنطقة التي حدث فيها التلوث البحري.
وأفاد ذلك التقرير، في توصياته ان التلوث كان له تأثير سيئ على أنشطة الملاحة البحرية. ودعت توصيات التقرير إلى الإسراع في إزالة الترسبات المختلفة التي تؤدي إلى إعاقة السفن في الموانئ، وتوفير الكوادر العلمية والمتخصصة في مكافحة حالات التلوث البحري والتي يمكن أن ترافق وتتابع جميع السفن البحرية القادمة والمغادرة لمياه اليمن الإقليمية. وضبط السفن المخالفة والتي تفرغ مخلفاتها في المياه الإقليمية اليمنية.
وفي سبتمبر/أيلول 2009، كشفت وزارة الداخلية اليمنية، عن وجود تلوث بحري جديد ظهر في قطاع خليج عدن، تتهم فيه تورط أحد رجال الأعمال المعروفين، أثناء تنفيذ مشروع الجسر البحري، مشيرة إلى أن التلوث ناتج عن تسرب مادة الديزل إلى البحر. ولم يتم الإفصاح عن اسم رجل الاعمال واسم الشركة المتورطة.
وبحسب المصادر، وعدت وزارة الداخلية بإحالة ملف التحقيق مع محاضر الاستدلالات للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركة التي تسببت في إحداث التلوث، غير أن القضية انتهت إلى الغموض. لكن النتائج بعد تلك الوعود لم تكشف للصحافة والجمهور عن أية حقائق.
الناقلة شامبيون تلوث المكلا
في العاشر من يوليو/تموز سنة 2013، رصد موقع (حلم أخضر) بشكل يومي، أحداث الكارثة البيئية التي تعرضت لها شواطئ مدينة المكلا في محافظة حضرموت جنوب اليمن، جراء تسرب مادة المازوت في عرض البحر من ناقلة تخزين الوقود “شامبيون 1” المملوكة لشركة عبر البحار، والتي كانت تحمل على متنها حوالي 4,700 ألف طن من الوقود.
وكشف تقرير نشره حلم أخضر، في 17 يوليو/تموز العام ذاته، عن تورط مسؤولين يمنيين في تلويث شواطئ المكلا ببقع الزيت المنسكبة من الناقلة “شامبيون 1”، والتي تبين أنها تابعة لرجل الاعمال وأبرز تجار النفط في اليمن، والمسؤول الحكومي أحمد صالح العيسي. وامتدت مساحة التلوث جراء تسرب المازوت الى حوالي 20 كيلومتر من سواحل المكلا لوسط البحر.
ونقل حلم أخضر في تغطياته، حالة الغضب المدني التي شنها عدد من المحتجين والناشطين في حضرموت، في وقفات احتجاجية من أجل إدانة تلويث شواطئ المكلا، واتهموا فيها محافظ محافظة حضرموت خالد الديني، ورئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم، أحمد صالح العيسي، مالك السفينة، بالتورط في كارثة تلوث مياه البحر بمادة المازوت.
وفي 24 يوليو/تموز 2013، أكدت غرفة العمليات المركزية بجهاز شئون البيئة في جمهورية مصر، أنها تلقت بلاغاً من هيئة الشئون البحرية اليمنية، يفيد بوقوع تسرب من «المستوى الثالث» يقدر بأكثر من 1,000 طن من مادة المازوت في منطقة خليج عدن على السواحل اليمنية.
ووفقاً لتقرير خاص من حلم أخضر، بعد مرور شهرين ونصف على تفاقم كارثة التلوث، أعلن في 17 سبتمبر/أيلول 2013، عن تشكيل لجنة تحقيق مكلفة من قبل الحكومة اليمنية، للتحقيق في كارثة التلوث البيئية التي سببتها السفينة “شامبيون1”. كانت هذه اللجنة شكلية فقط، لاحتواء السخط الشعبي والانتقادات التي وجهت لمسئولين حكوميين بالتورط في مساندة مالك الناقلة (المقرب من الرئيس هادي)، وعدم تعريضه لتحمل المسئولية التي أحدثتها سفينته.
الكارثة، أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أعفى مالك الناقلة المتسببة بالكارثة أحمد العيسي (الذي يشغل حالياً منصب نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية للشؤون الاقتصادية)، من تحمل الخسائر التي أحدثتها سفينته، ووجه الرئيس اليمني احدى شركات النفط الحكومية، بتحمل النفقات لاحتواء الكارثة، بدلاً عن السفينة “شامبيون 1”. وبلغت خسائر اليمن المعلنة جراء هذه الكارثة قرابة 20 مليون دولار، في حين بلغت قيمة التعويضات حوالي 6 ملايين دولار.
تلوث شواطئ الحسوة بالزيت
في 21 سبتمبر/أيلول 2013، أفادت لـ (حلم أخضر) مصادر محلية في محافظة عدن جنوب اليمن، تعرض أجزاء واسعة من ساحل محمية الحسوة الطبيعية التي تعد أهم محميات الأراضي الرطبة، لكارثة تلوث نتيجة تسرب مواد خطرة، يعتقد أنها زيوت مجهولة المصدر، تسربت من إحدى السفن في عرض البحر، في ظل استمرار ضعف عملية الرقابة الرسمية على الناقلات في المياه الاقليمية اليمنية.
وقال “شهود عيان” لمنصة (حلم أخضر) أن بقع الزيت الملوثة انتشرت عرض البحر صباح السبت 21 سبتمبر/أيلول 2013، وسببت نفوق عدداً من أسماك الجمبري وبعض الأحياء البحرية التي وجدت ميتة على أجزاء من ساحل “الحسوة” بعدن.
ويظهر مقطع فيديو بثه ”حلم أخضر” في 22 سبتمبر/ 2013، تعرض مساحة كبيرة من ساحل محمية “الحسوة” في عدن، للتلوث ببقع الزيت السوداء، فيما أكد صيادين محليين وقوع اضرارا بالغة لحقت بالمخزون السمكي في موسم صيد الجمبري وأتلف محصول الصيد، جراء تفريغ زيوت محركات عادمة من احدى السفن في مياه البحر قبالة سواحل عدن.
سقطرى: جنوح ناقلات الوقود
في 8 نوفمبر/تشرين الثاني العام 2015، وأثناء تعرض أرخبيل سقطرى لموجة من إعصار ميج، تسببت العواصف الناتجة عن هذا الاعصار في جنوح باخرتين محملتين بالوقود في شاطئ حولاف في جزيرة سقطرى. الأمر الذي هدد النظام البيئي في الارخبيل النادر بكارثة بيئية آنذاك.
وفي تصريح صحفي سابق، قال وكيل محافظة أرخبيل سقطرى، رمزي محروس، أن الباخرة الأولى “مبارك 1” تسبب في جنوحها إعصار ميج الذي ضرب الجزيرة في نوفمبر 2014، بعد أن وصلت إلى المحافظة عقب إعصار “تشابالا” محملة بالوقود، بينما جنحت الأخرى بعد أن وصلت لإنقاذ السفينة وسحبها للبحر.
وجاء في النداء الذي أطلقه المسؤول الحكومي في سقطرى، والذي قال أن “الباخرتين يمكن أن تنقلبا في أي لحظة”، وحذر من أن النظام البيئي يمكن أن يتعرض لكارثة بيئية محتملة قد تستمر لأعوام في حال بدأت الباخرتان بالغرق.
لكن لم يعلن حينها كيف تم تجنيب الجزيرة من ذلك الخطر.
تلوث سواحل عدن 2017
مع استمرار الصراع الراهن في اليمن، أصبحت شواطئ وبحار اليمن عرضة للمزيد من التهديدات الخطرة، والتي لم تعد تحظى بأية سيادة حكومية. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول العام 2017، حتى مطلع العام 2020، تعرضت شواطئ محافظة عدن جنوب البلاد، لموجات كبيرة من التلوث البحري.
وتناقلت وسائل اعلام محلية، أكثر من مرة صوراً توثق انتشار المركبات النفطية وغير النفطية الخطرة، والتي لم يسبق لها مثيل، في ظل غياب كامل للسلطات الحكومية، والتي لم يعد حماية الشواطئ البحرية ضمن أولوياتها.
وبحسب توضيح الخبير البيئي الدكتور يوسف سعيد، فإن هذا التلوث الذي تشهده سواحل عدن يأتي من مصدرين: الأول مصدر بحري ناتج عن تفريغ البواخر التجارية، والبوارج العسكرية للزيوت والشحوم وقيامها بالتخلص من المواد الكيماوية السامة والخطرة في البحر. إضافة إلى حوادث التسرب النفطي من ناقلات النفط في ضوء غياب رقابة السلطات الحكومية في اليمن.
ويضيف الدكتور يوسف سعيد، في مقال كتبه في موقع (عدن الغد) أن “المصدر الثاني للتلوث يأتي من البر، لأن جزء كبير مخلفات المركبات والسيارات من الزيوت والشحوم والتي كان يعاد تدويرها في أحد المصانع المحلية بمدينة “دار سعد” والذي تم تدميره أثناء الحرب. يتم حالياً التخلص منها ايضا في البحر”.
وقال: “يضاف هذا إلى المخلفات البشرية ومخلفات المستشفيات والمصانع التي تصب من خلال المجاري الى البحر مباشرة. دون إجراء معالجات وإعادة تنقية لها”.
وأكد الدكتور سعيد أن “المركبات العسكرية الثقيلة وبعض السيارات أصبحت تتخلص من زيوتها في سواحل عدن؛ وقد وصل هذا المستوى من التلوث إلى مستويات خطرة وهو بهذا لا يهدد فقط بموت الأحياء البحرية والموائل السمكية ولكنه قضى ويقضي على التنوع الايكولوجي البحري الشاطئي في البيئة البحرية “.
“ويتسبب بأمراض سرطانية تنقل إلى السكان عبر الأسماك والاحياء البحرية المصطادة التي بقيت على الحياة وتباع للسكان في اسواق عدن”. بحسب ما قاله الدكتور يوسف سعيد.