تبدو آثار الحرب جلية على واجهتي المتحف الوطني في مدينة تعز في جنوب غرب اليمن، إذ تُذكّر إحداهما بعد ترميمها، بعظمة هذا المعلم التاريخي المجسد للحضارة العربية، بينما تشهد الأخرى التي لا تزال مدمرة ويلات الحرب التي تمزق البلاد.
والمتحف الوطني، بأعمال الجبس المزخرفة وشرفات المشربية الخشبية، واحد من ثلاثة متاحف في المدينة، وهو قصر ملكي عثماني كان مقر إقامة الإمام أحمد حميد الدين، آخر أئمة اليمن قبل سقوط المملكة عام 1962، وقد أصبح متحفا في عام 1967.
ويشبه بناء المتحف نمط البناء في صنعاء القديمة، وهي أحد أربعة مواقع يمنية مسجلة في قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم (يونسكو).
وتعرض المتحف للقصف من جانب المتمردين الحوثيين في عام 2016، ما أدى إلى تدمير مخطوطاته، وأغلقت أبوابه لأربع سنوات ثم بدأت إعادة ترميمه في كانون يناير الماضي بعد حصوله على منحة.
وتعز إحدى أكثر المدن تأثرا بالحرب منذ بداية النزاع في منتصف 2014. وتخضع المدينة التي تحيط بها الجبال ويسكنها نحو 600 ألف شخص، لسيطرة القوات الحكومية، لكن المتمردين يحاصرونها منذ سنوات، ويقصفونها بشكل متكرر.
ويدور نزاع في اليمن بين حكومة يساندها منذ 2015 تحالف عسكري تقوده السعودية، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء منذ بدء هجومهم في 2014.
خلال سنوات النزاع، قتل وأصيب عشرات آلاف الأشخاص معظمهم من المدنيين، بحسب منظمات إنسانية، بينما يعيش أكثر من ثلاثة ملايين مدني في مخيمات مكتظة.
من بين المعروضات في المتحف أدوات طبخ ومخطوطات موضوعة على طاولات خشبية قديمة مع أغطية ملونة ومطرزة.
ويتذكر مدير المتحف رمزي الدميني كيف كان المتحف "مليئا بقطع أثرية نادرة وهامة".
ويتابع "هناك قطع أثرية ومخطوطات وقطع حجرية ومنقوشات وسيوف ودروع أثرية هامة ونادرة نهبت من المتحف"، مضيفا "استعدنا البعض منها، لكن لا تزال هناك قطع هامة ونادرة مفقودة حتى هذه اللحظة".
ويشير الدميني إلى أنه على تواصل مع السلطات ومنظمة اليونسكو، لإعادة تأهيل المباني الأثرية وإعادة ترميم المتحف واستعادة القطع الأثرية التي تم تهريبها خارج اليمن.
بيع عبر الانترنت
لكن رئيس الهيئة العامة اليمنية للآثار مهند السياني يقول إن "العملية صعبة". ويوضح لوكالة فرانس برس "لدينا حكومتان وبلاد في حالة حرب وتجارة الآثار كانت موجودة قبل الصراع بوقت طويل".
ويوضح السياني أنه في حين لا توجد أرقام حول عدد الآثار التي تم نهبها، فإن السلطات اليمنية واليونيسكو تقومان بعمليات جرد للعديد من المتاحف في البلاد ومشاريع ترميم مواقع أثرية في صنعاء وزبيد وشبام وعدن.
ويؤكد الباحث في مجال الآثار، منير طلال، أن الحرب "أثرت بشكل كبير" على المواقع الأثرية، مشيرا إلى عمليات قصف استهدفت المدينة القديمة في صنعاء، ومتحف ذمار الذي دُمّر، وقلعة القاهرة في تعز.
ويضيف "تمّ تدمير أعلى القلعة وأربعة مبان في المكان نفسه، وبعض القصور التي تعود إلى العصر الرسولي (دولة بني رسول من القرن السابع الهجري) والعصر الأيوبي".
ويتابع طلال "يمكن الوقوع على الإنترنت على إعلانات عديدة تروّج لبعض الآثار المسروقة وتعرض أسعارها. وخلال فترة الحرب، حصلت مزادات علنية قدمت آثارا يمنية مسروقة للبيع".
ويتساءل "هذه الآثار كيف خرجت من اليمن؟ من المسؤول عنها؟ لا نعلم".
"رابط قوي"
وبحسب الاختصاصي الفرنسي في علم الآثار في شبه الجزيرة العربية جيريمي شيتيكات، يمكن العثور على بعض التحف والآثار في بعض دول الخليج.
ويرى شيتيكات أن تدمير التراث اليمني لم يتسبب بضجة دولية كبيرة مثلما حدث في سوريا والعراق، لأن بعضها تسببت به الحملة التي يقودها التحالف العسكري بقيادة السعودية.
ويوضح الباحث أن هناك "رابطا قويا للغاية يجمع اليمنيين مع تراثهم بما في ذلك التراث ما قبل الإسلام" الذي كان يشكل "فخرا كبيرا" كونه يذكر "بالفترة التي كانت فيها جنوب الجزيرة العربية (اليمن حاليا) الحضارة الأكثر تقدما في شبه الجزيرة".
ويشكو اليمني هشام علي أحمد في تعز من "إهمال المناطق الأثرية"، موضحا أنه يتمنى "أن تعود الحياة والدولة وتهتم بالآثار، لأنها رمز الوجه الحضاري للبلاد".
في أواخر يونيو الماضي، تم توجيه الاتهام في باريس إلى خبير فرنسي وزوجته ضمن حملة لمكافحة الاتجار بآثار منهوبة في دول في الشرق الاوسط تشهد اضطرابات سياسية وحروبا.
ومن المقرر إعادة فتح متحف تعز في عام 2023، على أمل أن يكون الصراع قد توقف، ما سيسهم في إنقاذ حياة كثيرين وقرون من التاريخ.