مسعود أوزيل-ألمانيا

سهام اليمين المتطرف تقذف مسعود أوزيل .. كيف رد؟!

تتواصل ردود الفعل حول الفضيحة المدوية التي أطاحت بالمانشافت الألماني، حامل اللقب عام 2014، من الدور الأول، وفشله حتى بالوصول للدور الثاني لأول مرة منذ عقود طويلة.

فبينما تجرى حاليا تحقيقات لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل غير المعتاد، استغله اليمين الألماني المتطرف وبعض وسائل الإعلام الألمانية لصب جام غضبهم على صانع ألعاب المانشافت، الألماني من أصل تركي مسعود أوزيل.

وفي حين اعتبر البعض أن الحملة التي تُشن على أوزيل ظالمة وغير محقة، رأى آخرون أن الانتقاد طبيعي، وهو يأتي عادة لأفضل اللاعبين داخل المنتخب، ورغم أن الخسارة أسبابها رياضية بحتة، لكنها أخذت طعما سياسيا واضحا، وهو ما تجلى في تصريحات اليمين الألماني المتطرف.

 فقد نشر يينس ماير، عضو البرلمان الألماني "البوندستاغ" عن حزب البديل اليميني المتطرف، تغريدة كتب فيها: "من دون أوزيل كنا سنفوز في المباراة"، واحتوت التغريدة على صورة للاعب أوزيل مكتوب عليها: "هل أنت راض يا رئيسي"، والمقصود هنا أردوغان.

تغريدة النائب عن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي بينس ماير

 

يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقبل أثناء زيارته للعاصمة البريطانية لندن، قبل عدة أسابيع من انطلاق المونديال، لاعبي المانشافت؛ مسعود أوزيل وإيلكاي دوندوغان، وهما من أصول تركية، وأهدياه حينها قميصا رياضيا مكتوب عليه "إهداء إلى رئيسي".

هذا اللقاء أثار جدلا كبيرا في الأوساط الألمانية، حيث شكك البعض بولائهم لألمانيا، بل دعوا لطردهم من المنتخب الوطني. هي أزمة رغم محاولة المستشارة أنغيلا ميركل التدخل لدعوة الجماهير للتسامح معهم فيها، إلا أنها استمرت وازدادت شراسة بعد كارثة هزيمة المانشافت.

أما المتحدث باسم حزب البديل كريستيان لوت، فكتب معلقا في تغريدة أخرى عبر تويتر: "بإمكان أوزيل الآن أن يكون سعيدا، مبروك أردوغان".

وتعقيبا على الموضوع، قال الصحافي والمحلل زاهي علاوي: "المشكلة أن اليمن الشعبوي وكثير من وسائل الإعلام الألمانية اتخذت لقاء أوزيل ودوندوغان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذريعة للهجوم والتبرير"، معتبرا أن هذا الأمر "ناقص وغير مستحق، ولا ينم عن تقدير للدور الذي قدمه أوزيل في السنوات السابقة، الذي كان له الدور الكبير في المانشافت بأدائه الرائع في التأهل والتقدم، بل والحصول على لقب كأس العالم عام 2014 ".

وأضاف في حديث مع "عربي21": "التصوير مع أردوغان وإهداؤه القميص الذي يرتدياه اللاعبان لا يعطي مبررا لا لوسائل الإعلام ولا حتى للأحزاب السياسية ولا حتى لشريحة من الشعب الألماني لانتقاد هؤلاء اللاعبين بهذا الشكل المزري، لدرجة مطالبة البعض باستبعادهم من المنتخب الألماني، كما طالب بذلك اللاعب السابق إثين بيرغ، وكذلك نوتاماتيوس، وهذه مطالبات سخيفة لا تنم إلا عن حقد، ولا تنم إلا عن غباء حتى على المستوى الكروي".

وأوضح علاوي أن أوزيل وحده لا يمكن أن يتحمل مسؤولية فشل المانشافت، بل إن الشخص الوحيد الذي يتحمل مسؤولية الهزيمة هو المدرب يواخيم لوف، الذي قدم تشكيلات مختلفة وغير ثابتة، ولا تنم عن تناسق قوي، وبأن هناك أخطاء بدأت بالمباراة الأولى التي هزمت بها ألمانيا أمام المكسيك، وقد كان أوزيل حينها على دكة البدلاء، ولم يستفد المدرب من قدراته إلا في الدقائق الأخيرة .

أما بالنسبة للتكتيك، فيشير علاوي أن اللاعب براند الذي دخل في الدقائق الأخيرة من المباريات الثلاث وعلى الرغم من أنه قدم أداء قويا، وأثبت أنه قادر على التقدم بسرعة للأمام، بالإضافة لاستثناء اللاعب سانيه الذي يعتبر أفضل لاعبي الدوري الإنجليزي لاعب مانشستر سيتي، لم يكن هناك مبررا من عدم نزوله كلاعب أساسي في تشكيلة المنتخب الألماني.

وحول تأثير الهجمة التي تشنها أوساط إعلامية وسياسية يمنية ألمانية على مستقبل اللاعبين الأجانب في المنتخب توقع المحلل المختص بالشأن الألماني بأن ذلك سيكون أثرا سلبيا على لاعبين من أصول أجنبية، رغم أنهم أدوا وأثبتوا ولاءهم للمنتخب الألماني ولألمانيا.

وقال الدكتور على الصح، الخبير الرياضي في مؤسسة DW الألمانية: "إنه ومع وقوع الكارثة يبدأ البحث عن كبش فداء، ولقد كان مسعود أوزيل هو الضحية لوقوع أخطاء متراكمة في المنتخب الألماني على جميع المستويات، لا سيما تلك الأخطاء التي ارتكبها يواخام لوف عندما اختار التشكيلة التي ستدافع عن اللقب في مونديال روسيا".

وأضاف لـ"عربي21": "إن الشارع الألماني منقسم، وهناك من يدافع عن أوزيل، ولا يراه السبب وراء الخروج المبكر من مونديال روسيا".

واستبعد الصح أن تكون الهجمة على أوزيل مبيتة ومدبرة، وإنما أتت في حالة احتقان في ألمانيا، وتلت كارثة الخروج المدوي للمانشافت من المونديال، والفضيحة الكبيرة، موضحا أن اللاعب الأفضل هو الذي يتلقى اللوم والعتاب؛ لأن الجمهور كان ينتظر من أوزيل الكثير، لكن الأخير لم يكن باستطاعته أن يقدم أكثر مما كان؛ لأن الفريق جميع عناصره كانت مهزوزة لهذا السبب أو ذلك، وكان هناك ارتباك في خطة المدرب الألماني يواخيم لوف، معتبرا أن مسعود أوزيل لم يخطئ؛ لأن الأمر بالنسبة له ليس سياسيا، وهذا الأمر من حقه.

وتابع حديثه: "الإعلام الألماني لا يرحم أبدا مهما كانت الأسماء، سواء أوزيل، بيكنبور، لوف، أو غيرهم، فهناك خيبة أمل كبيرة من المانشافت، ومن حق الإعلام الألماني أن يصب جام غضبه على هذا اللاعب أو ذلك، ولقد كان نصيب أوزيل الأكثر ربما، ولكن لاحظنا لاعبين آخرين لم يوفرهم الإعلام الألماني ككروز وغيره".

وقال الصحافي الرياضي طارق النتشة: "إن موجة الانتقاد لصانع ألعاب المانشافت مسعود أوزيل لم تبدأ مع الخسارة الأولى للمنتخب الألماني في مونديال روسيا أمام المكسيك بهدف دون مقابل، بل كانت حاضرة قبل ذلك، وتعدت حدود الملعب الأخضر، كاستغلال الصور التي جمعته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتتهم أزويل بأنه فقد الرغبة في اللعب ضمن صفوف المنتخب الألماني، ما جعله منذ البداية كبش فداء مثاليا يمكن تحميله مسؤولية الخروج المبكرة من المونديال".

وأضاف لـ"عربي21": "اليمين الشعبوي لا يتوانى عن استغلال أي فرصة مهما كانت لتسويق نفسه وأفكاره، وهو يعلم تماما أن كرة القدم تمثل خطا أحمر لأبناء الشعب الألماني وعشاق الساحرة المستديرة، وتاريخ هذا الحزب مع نجوم المنتخب الألماني من أصول أجنبية كبواتينغ وأوزيل، وغيرهما، أكبر دليل على أن الأمر لا يتوقف عند نتائج المباريات أو الإنجازات الرياضية، وإنما بكسب مؤيدين أكبر وتعزيز وجودهم على الساحة السياسية".

ولفت النتشة إلى أن الإعلام الألماني الرسمي، رغم معارضته وبشكل كبير لتعليقات البديل من أجل ألمانيا ومحاولته التذكير بين الحين والآخر بجهود أوزيل ورفاقه، إلا أن مشكلته الأساسية تمثلت في النقد المتواصل لذاك اللقاء بين أزويل وأردوغان، وأن الأخير يستغله كورقة تسويقية في حملته الانتخابية، وهذا الأمر ترك آثارا نفسية سلبية بشكل كبير على أوزيل.

واتفق النتشة مع رأي الصحافي والمحلل علاوي بأن المسؤولية في المقام الأول تقع على عاتق الإدارة الفنية للمنتخب والمدرب يؤاخيم لوف شخصيا؛ لأن التشكيلة التي اختارها كانت تفتقد للانسجام على ارض الملعب، كما أنه اعتمد على وجوه جديدة ليس لديها ما يكفي من الخبرة على مستوى التمثيل الدولي، وقد ظهر كأنه ليس لديه خطة لعب واضحة في مباريات المنتخب الثلاث في المونديال، ما انعكس على نتائج المنتخب، فحتى الفوز على السويد كان فوزا بطعم الخسارة، والحظ لعب دورا كبيرا فيه.

وحول مستقبل المانشافت بعد الفضيحة المدوية التي ألمت به، أشار النتشة إلى أنه من المبكر الآن الحديث عن مستقبل أوزيل وخضيرة، وكذلك غوندوغان، ودورهم ضمن صفوف المنتخب الوطني، لا سيما أن الإدارة الفنية للمنتخب، وكذلك الاتحاد الألماني لكرة القدم، ينشغلون حاليا بتحليل وتقييم كل ما حدث في الفترة الأخيرة لتحديد المسؤول عن إخفاق المنتخب، مستبعدا أن يخلو المنتخب في الفترة القادمة من أي أسماء من أصول أجنبية؛ لأن ذلك يعكس صورة المجتمع الألماني المتنوع ثقافيا.

وأوضح أن مسعود أزويل، وإن كان على درجة كبيرة من الاحترافية، إلا أنه يبقى بشرا في نهاية المطاف، والتركيز وبشكل مستمر من قبل أطراف عده على الأخطاء والهفوات بحق ودون حق يترك أثره على نجم مثله، ودليل ذلك المشادة التي وقعت بين أوزيل اللاعب المتواضع قليل الكلام وبين بعض مشجعي المنتخب الألماني عقب هزيمة المانشافت أمام نظيره الكوري الجنوبي، مشيرا إلى أنه يحظى باحترام كبير من قبل زملائه، فهم يعلمون أنه ليس المشكلة الأساسية، وأن وجوده على مقاعد الاحتياط في لقاء ألمانيا والسويد لم يكن مفتاح الفوز.

وفي أول تعليق له بعد خسارة المانشافت، كتب اللاعب الألماني التركي مسعود أوزيل (29 عاما) تغريدة تحت وسم "قل لا للعنصرية"، عبر تويتر قال فيها: "إنه لأمر مؤلم للغاية مغادرة كأس العالم، فنحن لم نكن جيدين بما فيه الكفاية، أنا أحتاج لبعض الوقت حتى أتغلب على ما وقع".

ويرى محللون أن النبرة التي تحدث بها مسعود أوزيل خلال التغريدة الأخيرة تعبر عن ضيقه من الحملة المستمرة ضده، وتوحي برفضه لتحمله المسؤولية وحده عن فشل المانشافت الألماني بمونديال روسيا 2018.