كأس العالم هي البطولة الكرويّة والرياضيّة الأهم الأكثر متابعة من طرف عشّاق كرة القدم في جميع الأنحاء، يشارك فيها 32 منتخبًا كل أربع سنوات من مختلف القارّات، لكن هذا لم يكن الواقع دائمًا. ربما ستندهش عندما تعلم أنّ أوّل نسخة للبطولة عام 1930 شارك فيها 13 فريقًا فقط من قارّتي أوروبا وأمريكا وبدون تصفيات، فيما غابت البطولة لمدة وصلت لـ12 عامًا؛ لتمرّ البطولة برحلة تطور طويلة تضمنت نسخة بلا مباراة نهائية، حتى وصلت لشكلها الحالي.
كأس عالم 1930: تضمّن 13 منتخبًا فقط.. ومصر كادت تكون رقم 14
في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات كان الخلاف قائمًابين «اللجنة الأولمبية الدولية» و«الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)» حول الاعتراف بكرة القدم باعتبارها لعبةً دولية ضمن الأولمبياد، وقد اختلفت اللجنة الأولمبية و(الفيفا) حول وضع لاعبي كرة القدم الهواة؛ الأمر الذي أدى إلى إسقاط كرة القدم من الألعاب الأولمبية، وامتد إلى تخطيط أولمبياد لوس أنجلوس في أمريكا عام 1932 لعدم إدراج كرة القدم في برنامج البطولة؛ بسبب الشعبية المنخفضة لكرة القدم في الولايات المتحدة الأمريكية.
ودفعت تلك الخلافات جوليه ريميه، رئيس (الفيفا) حينها، أن يُنظم بطولة عالمية خاصة بكرة القدم عام 1928 وتحول قرار ريميه إلى واقع مع أول بطولة كأس عالم في التاريخ عام 1930، تلك البطولة التي اختارت الفيفا أوروجواي لتنظيمها؛ احتفالًا بمرور قرن على استقلالها.
ولم يشارك في البطولة 32 منتخبًا يمثلون مختلف قارات العالم بعد تصفيات طويلة وشاقة مثلما هو الحال الآن؛ إذ غابت مرحلة التصفيات المؤهلة لكأس العالم في الأساس، واعتمدت المشاركة في البطولة أكثر على الدول الأعضاء في الفيفا التي تقبل دعوات المشاركة فيها، ولذلك سيطرت دول أمريكا الشمالية والجنوبية على الدول المشاركة في البطولة بوجود سبع دول من أمريكا الجنوبية، ودولتين من أمريكا الشمالية، هما: الولايات المتحدة الأمريكية، والمكسيك.
لقطة من هدف أورجواي الرابع في مرمى الأرجنتين في نهائي كأس العالم 1930
فيما وجدت دول قارة أوروبا صعوبة في المشاركة؛ فقبل شهرين فقط من عقد البطولة لم تتعهد أية دول أوروبية بالبدء في رحلة بحرية شاقة ومكلفة عبر المحيط الأطلسي للمشاركة في البطولة التي تزامنت مع العطلات الصيفية الأوروبية، وقد برّر الأوروبيون في البداية عدم مشاركتهم بوجود مشاكل اقتصادية؛ لتردّ أوروجواي بتعهدها بسدّ كافة مصاريف السفر للدول المشاركة. ثم تتغير حجة الأوروبيين بطول السفر الذي قد يحرم الأندية الأوروبية من أفضل لاعبيها لشهور طويلة.
تدخل ريميه وأقنع أربع دول أوروبية بالمشاركة، وهي: فرنسا، وبلجيكا، ويوغوسلافيا، ورومانيا، تلك البلد التي شاركت في المونديال الأول، بعدما تدخّل ملك رومانيا الملك كارول الأول استجابة لطلب حبيبته، واختار المنتخب، واستأذن من الشركات الإنجليزية – التي كانت توظف لاعبيه – بالسماح لهم للمشاركة في كأس العالم والابتعاد عن الشركات لمدة ثلاثة شهور، وتعهد للاعبين بإعادة توظيفهم مرة أخرى بعد العودة من كأس العالم.
وقد لفت لوثيانو برنيكي، في كتابه «أغرب الحكايات في تاريخ كأس العالم»، إلى أن مصر كانت قد «أكدت حضورها في كأس العالم، إلا أن قيادتها لم تجد الطريقة المناسبة للوصول في المكان والموعد المحدد للمشاركة في البطولة».
ليصبح بذلك العدد الإجمالي للدول المشاركة في أول كأس عالم 13 دولة: تسع من الأمريكتين، وأربع من أوروبا. وتوزّعت المنتخبات المشاركة على أربع مجموعات، كل مجموعة ضمّت ثلاثة منتخبات، عدا مجموعة الأرجنتين التي ضمت أربعة منتخبات، ويصعد الأول من كل مجموعة للمربع الذهبي، وتمكنت الأرجنتين من الصعود للنهائي؛ لتواجه أوروجواي صاحبة الأرض، والتي فازت بنتيجة 4-2؛ لتحصل أوروجواي على أول بطولة كأس عالم، تلك البطولة التي عقدت كل مبارياتها في ثلاثة ملاعب فقط بمدينة واحدة، وهي مونتفيديو.
كأس عالم 1934.. سبقه أول تصفيات وشهد أول تواجد
عربي أفريقي
دفع الحضور الأوروبي الضعيف في بطولة 1930 أوروجواي إلى مقاطعة النسخة التالية لكأس العالم الذي نظمتها إيطاليا، عام 1934 بعد منافسة مع السويدعلى التنظيم؛ انتهت باختيار إيطاليا، وشهدت تلك النسخة – ولأول مرة في كأس العالم – مرحلة التصفيات المؤهلة لكأس العالم.
وقد أدت مقاطعة أوروجواي وغياب بوليفيا وبارجواي عن كأس العالم إلى صعود كل من البرازيل والأرجنتين إلى كأس العالم مباشرةً، دون الحاجة للعب مباريات تأهيلية في التصفيات، فيما شاركت مصر في المونديال، لتكون بذلك أول منتخب أفريقي وعربي يشارك في المونديال. ولم يدم الحضور المصري طويلًا ؛ إذ ودّعت مصر كأس عالم 1934 من أول مباراة عقب خسارتها من المجر؛ لتعود مصر لاحقًا في كأس العالم بمشاركتين فقط عام 1990، وعام 2018.
وقد شارك في هذه النسخة 16 منتخبًا، واعتمد نظام كأس العالم حينها على خروج الخاسر وصعود الفائز دون الاعتماد على مجموعات، وقد تمكنت إيطاليا من حصد البطولة لتكون أول دولة أوروبية تحصل على كأس العالم، تلك النسخة التي أعطاها الزعيم الإيطالي بنيتو موسوليني حينها اهتمامًا كبيرًا، واستخدمها وسيلةًلنشر الفاشية.
كأس عالم 1938.. منتخب مشترك بين ألمانيا والنمسا
وفي نسخة عام 1938 نظّمت دولة أوروبية كأس العالم مرة أخرى للمرة الثانية على التوالي، وهي فرنسا؛ مما أدى إلى انزعاج وغضب لاتيني، دفع كلًا من أوروجواي والأرجنتين إلى مقاطعة كأس العالم، ولم يشارك في تلك النسخة 16 منتخبًا، وإنما 15 منتخبًا فقط، بعدما انسحبت النمسا من البطولة عقب إنشاء «آنشيلوس» ذلك الاتحاد السياسي والعسكري الذي كوّنه الزعيم النازي أدولف هتلر عام في مارس (آذار) عام 1938 قبل الحرب العالمية الثانية، وقبيل أقل من ثلاثة أشهر على كأس العالم.
وقد أدى ذلك التحالف إلى انسحاب النمسا، وحاولت أن تسمح لإنجلترا بأن تأخذ مكانها، وهو ما لم تسمح به الفيفا، ليُلغى ذلك المكان، وينضم بعض لاعبي النمسا إلى المنتخب الألماني الذي خرج من الدور الأول من البطولة في أول مرة بتاريخ كأس العالم، وقد تمكنت إيطاليا من الحفاظ على لقبها والفوز بكأس العالم للمرة الثانية على التوالي.
كأس عالم 1950.. أوروجواي تفوز بلقبها الثاني
بلا «مباراة نهائية»
كان من المفترض أن تكون النسخة التالية لكأس العالم عام 1942، ولكن الحرب العالمية الثانية التي امتدت من عام 1939 إلى عام 1945، ألقت بظلالها على كأس العالم، ليتأخر كأس العالم 12 عامًا من 1938 حتى عام 1950، ذلك العام الذي عاد فيه كأس العالم مرة أخرى إلى أمريكا الجنوبية.
إذ نظّمت البرازيل البطولة، وشهدت تلك النسخة العديد من المفارقات، فمع عودة أوروجواي لكأس العالم بعد مقاطعتها لنسختين، لم يشارك عدد من بلدان شرق أوروبا البطولة، كالاتحاد السوفيتي، والمجر، وتشيكوسلوفكيا؛ لأسباب سياسية؛ ليشارك في البطولة 13 منتخبًا فقط، وزعت على أربع مجموعات: مجموعتين من أربع فرق، والثالثة بثلاث فرق، والأخيرة بفرقتين، وهما: بوليفيا، وأوروجواي.
ولم يعتمد نظام كأس العالم هذه المرة على نظام المباريات الإقصائية وخروج الخاسر، ولم تكن هناك مباراة نهائية حتى، في واقعة لم تتكرر على مدار تاريخ كأس العالم؛ إذ صعد فريق من كل مجموعة، واجتمعت أربع فرق في المجموعة النهائية التي تصدرتها أوروجواي بعد حصولها على أكثر النقاط؛ لتفوز بكأس العالم للمرة الثانية في تاريخها، من نسختين للبطولة شارك في كل نسخة 13 فريقًا فقط!
عدد منتخبات كأس العالم: من 13 إلى 16.. ثم 24 وصولًا إلى 32
منذ عام 1930 وحتى عام 2018 شهدت بطولة كأس العالم 21 نسخة بما فيها بطولة العام الحالية 2018، وخلال 20 نسخة سابقة كان للبرازيل الحظ الأوفر في حصاد لقب البطولة بحصولها على كأس العالم خمس مرات، يليلها كل من إيطاليا وألمانيا بأربع مرّات، ثم كل من أوروجواي والأرجنتين بمرتين لكل منهما، فيما حصدت اللقب مرة واحدة دول: فرنسا، وإنجلترا، وإسبانيا.
وقد طرأ على كأس العالم تغيرّات عدّة حتى وصل لشكله الحالي؛ فبعد نسخة عام 1950 لم يزدد عدد المنتخبات المشاركة في البطولة عن 16 منتخبًا، وامتد الأمر حتى نسخة عام 1982 عندما قرر الفيفا زيادة عدد المنتخبات المشاركة إلى 24 منتخبًا.
وبعد نسخة عام 1950 اقترب نظام البطولة في معظم نسخه من الشكل الإجرائي الحالي، الذي يبدأ بالمجموعات، ثم الأدوار الإقصائية، وتخللت بعض النسخ في السبعينات – مثلًا – اختلافات إجرائية، مثل أن يتكون دور الثمانية من مجموعتين، على أن يصعد أول كل مجموعة إلى النهائي مباشرةً، فيما كانت تضطر بعض الدول المتساوية في النقاط بالأدوار الأولى أن تلعب مباراة فاصلة في بعض النسخ، وليس الشكل الحالي الذي يعتمد على فارق الأهداف. وأصبح كأس العالم بعدد فرقه ونظامه الإجرائي الحالي في نسخة عام 1998، عندما سمحت الفيفا بتوسيع عدد المنتخبات المشاركة لتضم 32 منتخبًا يمثلون مختلف قارات العالم.
«VAR» خاصية جديدة في 2018.. ماذا لو كانت موجودة في نسختي 1966 و1986؟
يعدّ استخدام خاصية التحكيم بالفيديو «VAR» في كأس عالم 2018 غير مسبوق في تاريخ بطولات كأس العالم لكرة القدم، وقد غيّرت تلك الخاصية في الكثير من القرارت التحكيمية ومصير العديد من مباريات كأس العالم بقرارات حاسمة تتضمن الطرد، واحتساب ركلات جزاء، وإقرار أهداف أو إلغائها.
ويبدو أن تلك الخاصية لو كانت استخدمت في نسخ سابقة لكان من الممكن أن يتغير مصير أبطال كأس العالم، فمثلًا في عام 1966، جمع نهائي كأس العالم بين إنجلترا وألمانيا، وكسر التعادل بهدفين لكل منهما هدف لإنجلترا بكرة لم تتعدَ بكامل محيطها خط مرمى المنتخب الألماني في الوقت الإضافي، قبل أن تضيف إنجلترا لاحقًا الهدف الرابع في الدقيقة 120 والأخيرة من المباراة وتحصد البطولة الوحيدة في تاريخها.
ولكن إنجلترا، التي خدمها أخطاء التحكيم في كأس عالم 1966، كانت ضحية لخطأ تحكيمي في مباراة ربع النهائي كأس عالم عام 1986، تلك المباراة التي جمعت بين الأرجنتين وإنجلترا، وكسر الأسطورة الأرجنتينية دييجو مارادونا التعادل السلبي بهدف بيده، وقال: إن «يد الله» هي التي سجلت الهدف، وبعدها بثلاث دقائق عزّز مارادونا تقدم فريقه بهدف مميز تخطى فيه مجموعة من لاعبي إنجلترا؛ لتنتهي المباراة النهائية بهدفين مقابل هدف واحد لصالح الأرجنتين التي حصدت اللقب في المباراة النهائية بعد فوزها على ألمانيا بثلاثة أهدف مقابل هدفين.