مسلحون حوثيون- وكالات

نكبة 21 سبتمبر .. سنوات الدم والبارود والانهيار التام (تقرير)

مازن فارس

 

تحل الذكرى الرابعة لنكبة 21 سبتمبر كأسوأ ما شهده اليمن في تاريخه المعاصر.

فإلى الحرب المدمرة التي جلبها الإنقلاب ذي الصبغة الطائفية والتدخل الخارجي، توالت الويلات والعذابات على اليمنيين لتصنع منهم أمثولة عالمية للكارثة بكل تجلياتها، ويغدو اليمن موطن الجوع الاول في نشرات الأخبار.

 

في 21 سبتمبر/ ايلول 2014م، وجه الحوثيون بمساعدة الرئيس السابق علي عبدالله صالح طعنة غادرة لليمنيين حين اقتحمت المليشيات مسنودة بقوات صالح  العاصمة صنعاء، بدعم اقليمي شاركت فيه دول خليجية وتخطيط واسناد إيراني محكم ابتهج طويلا باسقاط العاصمة العربية الرابعة بأذرع يمنية وتمويل عربي.

 فبعد ثلاثة أيام من المعارك مع وحدات عسكرية تابعة للمنطقة العسكرية السادسة (الفرقة سابقاً)، تعرضت خلالها ما تبقى من ألوية الجيش الوطني للقصف العنيف من معسكرات ما كان يسمى بالحرس الجمهوري، وسيطرت المليشيا على جميع مؤسسات الدولة بما فيها مقرات قيادة المنطقة  السادسة والفرقة الأولى مدرع، وقيادة اللواء الرابع حرس رئاسي، والقيادة العليا للقوات المسلحة، ودائرة التوجيه المعنوي التي يبث التلفزيون الحكومي برامجه منها، حيث سلم أفراد الحراسة المباني دون مقاومة.

 

ولاحقا أجبرت مليشيات الحوثي الرئيس عبد ربه منصور هادي على تقديم استقالته من الحكم، وفرضت عليه الإقامة الجبرية قبل أن يتمكن، هادي، من الفرار إلى عدن في 21 فبراير ، ليعلن منها التراجع عن إستقالته في رساله وجهها للبرلمان.

 

وفجر انقلاب مليشيات الحوثي وصالح حرباً ضروساً في عموم البلاد، وذهب الحلف الإنقلابي لاستعراض القوة في المناطق الحدودية، ليطلق أول الرسائل المتفحرة في وجه الإقليم بأن الإنقلاب بصدد مهمة تتجاوز اليمن الى الجوار في استدعاء صريح للصراعات الإقليمية على الأرض اليمنية.

 

وعلى إثر هذه التطورات تشكل تحالف عربي من 12 دولة أطلق أولى عملياته باسم عاصفة الحزم في 26 مارس 2015م لدعم الحكومة الشرعية، لتشتعل واحدة من أكثر الحروب دمارا في المنطقة، ويغدو اليمن الضحية الأولى في مذبح مغامرات الانقلاب الطائفي.

 

ضرب الإنقلاب الوضع الاقتصادي السيئ  وأصابه في مقتل، فقد جرى نهب  الاحتياطي النقدي للبلاد من العملة الصعبة بأكثر من 5 مليارات دولار  وتوقف تام لأنشطة التصدير ، و إيقاف صرف المرتبات .

خلال ذلك ظهرت الأسواق السوداء لبيع المشتقات النفطية وفرضت المليشيا رسوم باهضة على التجار والمستثمرين تحت مسمى المجهود الحربي وهو ما أدى إلى تسريح 70% من الشركات المختلفة والعمال.

 

و تدهورت العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية ليصل سعر الدولار الواحد الى 630 ريال فارتفعت أسعار المواد الغذائية والأساسية بما يفوق قدرة المواطنين على شرائها، وزادت رقعة الفقراء فانتهى معظم اليمنيين الى حالة غير مسبوقة من الإنهيار وبات اكثر من ثلثي الشعب بحاجة لمساعدة.

 

 وتقول الأمم المتحدة إن 8ملايين يمني يعانون سوء التغذية من أصل 28 مليوناً، إلى جانب أن 80% من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وبتعبير أدق فقد أدت الحرب التي صنعها الانقلاب الى تفاقم معاناة اليمنيين وصنع واحدة من أكثر الكوارث الانسانية فداحة في العالم.

 

ومنذ انقلاب 21 سبتمبر، ارتكبت مليشيات الحوثي وحليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بحق اليمن والمدنيين جرائمَ، تصنف دوليا ضمن جرائم حرب.

 

و حتى الآن تسببت الحرب التي أشعلتها مليشيا الانقلاب بمقتل (١٤٢٢٠) شخصا ، بينهم (١٥٠٠ ) طفلا، و(٨٦٥) امرأة، فيما بلغ عدد المصابين (٣١١٢٧ ) شخصا، وبلغ قتلى زراعة الألغام ( ١٥٩٣ ) شخصا، والمصابين (١٤١٣) شخصا، بينهم أطفال ونساء" بحسب احصاءات وزارة حقوق الإنسان.

 

 وبلغت حالات الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري (٢١٧٠٦) حالة، وما زال ٣٤٨٦ معتقل في سجون ومعتقلات الميليشيا، تعرض منهم ٢٨٧٥ معتقل لضروب من المعاملة القاسية والتعذيب ، منهم ٨٦ قتلوا تحت التعذيب".

 

أما الانتهاكات بحق الصحفيين والإعلاميين فقد بلغت ٦٢٧ انتهاك، فيما تعرض ٣٠ صحفيا للقتل والاعتقال والتعذيب، إضافة لانتهاكات بحق القنوات الفضائية والصحف والمواقع التي أغلقت وتم نهب محتوياتها.

 

ومن بين الانتهاكات التي مارسها الحوثيين ضد اليمنيين، تدمير 29 الف منشأة بينها 3557 ممتلكات عامة وقرابة 26 الف ممتلكات خاصة.

 

ولم تقتصر جرائم الحوثيين على الجانب الاقتصادي و الإنساني بل سعت مليشيات الحوثي منذ العام 2014 إلى إدخال مفاهيم جديدة في المناهج الدراسية. 


وشرعت في إنشاء منهج تعليمي يستند إلى تنظيرات مؤسس المليشيات "حسين بدرالدين الحوثي" التي عرفت بمسمى "الملازم"، ثم أصبحت المصدر الفكري الوحيد الذي يغذي عقول أنصار المليشيا الطائفية.

 

في المحصلة كان الهدف هو تغيير محتوى المنهاج اليمني ليصبح متوافقًا مع منطلقات الحوثيين، فقد تطرق فيها للخلاف التاريخي الإسلامي بين علي بن أبي طالب وبين الصحابة، من وجهة نظر حوثية.

 

لم تكتف المليشيا بقتل الطفولة اليمنية وسلبها الحياة وفرض الحرمان عليها بمختلف الوسائل، بل ذهبت بعيدا بالزج بالاطفال وإجبارهم على التجنيد ليكونوا وقودا للحرب.

 

وتقول المفوضية العليا لحقوق الإنسان إنها رصدت وجود 1500 جندي من الأطفال في اليمن جميعهم دون الـ18 عامًا، تدفع لهم مليشيات الحوثي مبلغًا يتراوح ما بين 80 و120 دولارًا شهريًا.

 

كما أن تقارير حديثة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (أوتشا) أشارت إلى: "العدد الأكبر من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس معرضون لمخاطر التجنيد من قبل الجماعات المسلحة، وغيرها من أشكال الاستغلال وسوء المعاملة، ليكونوا ضحايا عدم الالتحاق بالمدارس".

ويقدر عدد الأطفال الذين جندتهم مليشيا الحوثي بنحو 20 الف طفل.

 

وتؤكد منظمة العفو الدولية أن "ميليشيات الحوثيين تقوم بتجنيد الأطفال بإلحاقهم في مدرسة قرآنية بضواحي صنعاء، وذكرت بعض الأسر أن الضواحي التي تعيش فيها، شهدت زيادة أعداد الأطفال الذين يجندون للقتال، نظرًا لانقطاعهم عن الدراسة نتيجةً للأزمة الاقتصادية وإضراب المدرسين عن العمل، لأن الكثير منهم لم يتحصلوا على رواتبهم منذ شهور".

 

 ويظهر تقرير سابق صادر عن مركز الدراسات والإعلام التربوي غير الحكومي أن "نحو مليون طفل تضررت مدارسهم البالغ عددها 1495 مدرسة، سواء كان التدمير كليًا أو جزئيًا، أو تحولت إلى مراكز للنازحين، أو اتخذتها الميليشيات ثكنات عسكرية"، كما يشير التقرير إلى أن: "نسبة 30% من إجمالي الطلبة المقيدين بالتعليم العام في وضعية البقاء على قيد المدرسة، ولم يتلقوا أي تعليم يذكر رغم حصولهم على نتائج النجاح، في حين 40% من المعلمين وموظفي التعليم فقط هم من تمكنوا من أداء عملهم إما بشكل كلي أو متقطع، وأن الساعات الدراسية التي تلقاها الطلبة أقل من المتوسط العام على المستوى الوطني".

 

وفيما يتعلق بالأرقام الخاصة بالتعليم بوصفها مؤسسات، يُظهر التقرير أن نحو 70% من المدارس أُغلقت،  أي نحو 3584 مدرسة، وعلى سبيل المثال تسببت الحرب في إغلاق 468 مدرسة في تعز وحدها من إجمالي المدارس البالغ عددها 1624، والنتيجة حرمان 250 ألف طالب من التعليم، من إجمالي 800 ألف طالب.

 

لقد وضعت الحرب التي أشعلها الإنقلابيون اليمن في طريق الإنهيار التام والتمزق السياسي والجغرافي وانعشت مغامرتها المدمرة أطماع دويلات صغيرة مجاورة تريد ممارسة الهيمنة والوصاية على البلاد، وعيونها مفتوحة على موقعه الجغرافي وثرواته البكر.