أطفال يموتون جوعا في اليمن

صراع مع الجوع: آلاف اليمنيين يأكلون أوراق الشجر ويقلصون الوجبات

تهدد الأزمة الاقتصادية ، غالبية اليمنيين بالموت جوعاً، ولجأ آلاف من السكان الى تغيير نمط حياتهم وغذائهم من خلال خفض الاستهلاك وتقليص الوجبات، وإعادة ترتيب أولويات الانفاق، وفي مناطق غرب وشمال غرب البلاد حيث يعيش آلاف من أفقر الفقراء، لجأ السكان لمقاومة الجوع بأكل أوراق الشجر.

 

استنفد اليمنيون وسائل البقاء خلال ثلاث سنوات ونصف من الحرب ، وفي عدة مناطق بمحافظة الحديدة على الساحل الغربي لليمن ، وفي مديرية أسلم بمحافظة حجة ( شمال غرب) والتي يقطنها نحو 106 آلاف نسمة، يستخدم السكان نوع من الشجر كطعام نتيجة انعدام مصادر الدخل وعدم القدرة على تحمل كلفة الغذاء، حيث يقومون بغلي الأوراق وتقديمها في شكل عجينة خضراء حامضة.

 

وتشتهر هذه الوجبة في مناطق شمال اليمن باسم "الحلص" ، ولها مسميات آخرى في بعض المناطق منها، "الغلف"، "العلفق" و"الحلقة"، وهي وجبة إنقرضت أو اختفت بشكل كبير بعد تحرر البلاد من حكم الأئمة وقيام ثورة ال26 من سبتمبر عام 1962 والتي أعلنت نظام جمهوري خلفا للملكية.

 

وترتبط شجرة "الحلص" في أذهان اليمنيين بفترات المجاعة ، وبحسب مؤرخين، لجأ اليمنيين الى هذه الشجرة أول مرة خلال فترة حكم الإمام عام 1943، عندما اجتاحت البلاد مجاعة كبرى وكان الناس يتساقطون في الطرقات والمنازل من الجوع ، ومات على إثرها آلاف اليمنيين.

 

عيسى الراجحي، رئيس مؤسسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمحافظة حجة، أكد أن أوراق الشجر أصبحت الوجبة الرئيسية لغالبية سكان مديرية (أسلم)، والذين لا يجدون المال لشراء الطعام.

 

وقال الراجحي ل"المصدر اونلاين":" غالبية سكان المديرية كانوا يعملون في الزراعة لكن بسبب الحرب وتوقف النشاط الزراعي لأسباب عديدة منها ارتفاع أسعار الديزل، فإنهم باتوا فقراء ومعدمين فقدوا أعمالهم ومصادر عيشهم ولذلك تفشت البطالة وانتشرت الأمراض ويعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد".

 

وأوضح الراجحي، أن المنطقة تضم عدد من المعلمين والعاملين في المجال الصحي، والذين توقفت رواتبهم منذ عامين، وأصبحوا فقراء وجبتهم الرئيسية نوع من ورق الاشجار يطبخ ويقدم للأكل بعد اضافة قليل من البهارات.

 

والى جانب أوراق الشجر، يعتمد نحو نصف سكان المديرية على المعونات من الغذاء التي تقدمها منظمات دولية منها برنامج الغذاء العالمي، لكن الفساد يضرب هذه المنظمات ولا يصل للسكان الا الفتات، بحسب الراجحي.

 

والحلص، أو الغلف بتسمية أخرى، هو جنس نباتات متسلقة ينتمي للفصيلة الكرمية. ، يوجد في جنوب جزيرة العرب، وأرض اليمن، وفي شرق أفريقيا، حيث ينتشر في الأماكن الدافئة وفي سفوح الجبال وبطون والوديان، بحسب موسوعة ويكيبيديا.

 

ويشهد اليمن حربا منذ نحو ثلاثة أعوام، بين جماعة الحوثيين المتحالفين مع إيران ويسيطرون على العاصمة صنعاء، وبين قوات حكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي التي يدعمها تحالف عربي بقيادة السعودية.

 

وتركت الحرب نحو ثمانية عشر مليون شخص في اليمن لا يوجد لديهم مصدرٌ ثابت للغذاء، ومن بين هؤلاء هناك ثمانية ملايين يمني يعيشون في فقر مدّقع ويعتمدون بشكل كامل على المساعدات الغذائية الخارجية، وفقاً لما أكده برنامج الغذاء العالمي.

 

وأوضحت منظمة الصحة العالمية، 7 سبتمبر، أن الكثير من اليمنيين لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل العام للوصول إلى المرافق الصحية ، وتضطر العائلات لبيع جميع ممتلكاتهم لشراء الأدوية، فيما لم يتلق العاملون في مجال الرعاية الصحية رواتبهم منذ عامين.

 

وقال أحمد المنذري ، المدير الإقليمي للمنظمة بمنطقة الشرق الأوسط ، في بيان، :"لا تستطيع الأمهات اللواتي يعانين من سوء التغذية إرضاع أطفالهن الذين يعانون من سوء التغذية على قدم المساواة، والناس الذين يسقطون في فقر مدقع بسبب الحرب غير قادرين على شراء الطعام لأسرهم ، حيث تعيش بعض الأسر فقط على الخبز للحصول على القوت. ومع استمرار انخفاض الريال اليمني ، فإن العائلات الفقيرة التي لا تستطيع تحمل سوى القليل ، لن يتبقى لها شيء".

 

وتتوفر الأغذية في الأسواق ولكن الناس لا يستطيعون تحمل تكاليفها، لأنهم فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم ، أو لأنهم لم يقبضوا رواتبهم ، وفرص العمل منعدمة ، ولذلك بدأ الناس باعتماد استراتيجيات للتكيف مع الأزمة الاقتصادية ومع تداعيات ارتفاع الأسعار للسلع على خلفية التهاوي في قيمة العملة.

 

أحمد سعد، وهو موظف حكومي، قال أنه يعمل منذ عام في شركة خاصة براتب متدني يبلغ 50 ألف ريال ( 90 دولارا) ، وظل منذ بداية الحرب يعتمد سياسة تقشف في الانفاق ويعتمد على شقيقه المغترب في السعودية الذي يدعمه بمبالغ بسيطة كل شهرين، لكنه يفقد قدرته على التحمل بعد الأزمة الأخيرة.

 

وقال سعد ، وهو محاسب في هيئة حكومية ل" المصدر اونلاين" :" منذ بداية الحرب تبدلت أولويات الانفاق وقلصت الاستهلاك بشكل كبير، لكني منذ أشهر أصبحت عاجزا عن شراء طعام يكفي أسرتي وثلاثة من اطفالي، نأكل وجبة واحدة تتكون فقط من الخبز والشاي والزبادي، منذ أشهر لم نعد نعرف الأرز، أما اللحوم فلم أشتري منذ عامين".

 

وشهدت المدن اليمنية ارتفاع في أسعار السلع الأساسية منذ مطلع اغسطس الماضي قبل أن تقفز الأسعار بشكل جنوني منذ مطلع سبتمبر ، وقال موطنون ، أن الأسعار ترتفع في اليوم الواحد أكثر من مرة، وأن بسبب تقلبات الصرف وتراجع الريال الى أدنى مستوياته على الاطلاق.

 

ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة، فإن أزمة استيراد الغذاء والوقود تفاقمت بسبب انهيار عملة البلاد التي شهدت انخفاضا حادا في سعر الصرف من 250 ريالا لكل دولار أمريكي مطلع 2016 إلى 600 في الأسابيع الأخيرة، وأشارت الى أن هذا سيزيد من الضغط على الأسعار ويضرب أفقر الأسر وعائلات ما يقدر بـ 1.24 مليون موظف مدني لم يتلقوا ، أو يتلقوا فقط من حين لآخر ، راتبًا منذ أغسطس 2016.