غريفيث- أرشيف

معارك الحديدة هل أعاقت جهود «غريفيث» الساعية لاستمرار المشاورات؟

يبدو إن طريق السلام في اليمن ما يزال بعيداً عن خطوات الفرقاء اليمنيين، بعد أن فشلت محاولة المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث، بجمع أطراف النزاع على طاولة المشاورات في جنيف السويسرية، مطلع سبتمبر الجاري، وتصاعد حدة المعارك جنوبي الحديدة.

 

ورغم إن جولة المشاورات الأخيرة في جنيف بدا محكوماً عليها بالفشل حسبما يرى مراقبون، مع رفض الحوثيين الحضور إلى طاولة المفاوضات، إلا أن غريفيث قال بأنه سيحمل نتائج المشاورات التي عقدها مع وفد الحكومة، وسينقلها لقادة الحوثيين في مسقط وصنعاء.

 

وامتنع وفد الحوثيين حضور المشاورات، وعزوا ذلك إلى أن الأمم المتحدة لم تقدم لهم الضمانات الكافية لعودتهم إلى صنعاء، ولم تتمكن من استخراج ترخيص للطائرة التي تقلهم إلى جنيف، ولم تسمح بنقل الجرحى من صنعاء إلى مسقط أو جنيف.

 

لكن ما سيحمله غريفيث للحوثيين سيكون بعيداً عن الواقع في الأرض، فلهيب نيران المعارك مدينة الحديدة، التي يسكنها قرابة 600 ألف شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة -حتى اللحظة -تعيق جهود المسؤول الأممي.

 

فبعد 7 أشهر من اجتماعاته المكثفة مع الأطراف وجولاته بين عمّان والرياض وعدن ومسقط وصنعاء، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، قال غريفيث في احاطته الأخيرة التي قدمها لمجلس الأمن، إنه تمكّن من إعادة إطلاق العملية السياسية.

 

وأضاف «لم أتوقّع أبداً أن تكون المهمةً سهلة، إذ لم يلتق الطرفان منذ أكثر من عامين وتشهد الحرب تصعيداً على جميع الجبهات تقريبًا، وبلغت الثقة أدنى مستوياتها، والكلفة البشرية والإنسانية ترتفع باستمرار وقد علق الأطراف في دوامة من العنف».

 

وقال «الجميع بذلوا الجهود، جميعنا في جنيف، في عمان، في التحالف وبالتأكيد في حكومة اليمن لمحاولة التغلّب على القضايا التي واجهتنا، لكن الجهود لم تنجح، لم ينجح الأمر».

 

ووعد غريفيث مجلس الأمن بـ«أن هذا الأمر لن يتكرّر»، في إشارة إلى تمسكه بمهامه في التوصل إلى حل سياسي.

 

ووفق مصدر أممي رفيع في مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة، فإن غريفيث يبدو عازماً هذه المرة على تحقيق نتائج، بعد زيارته إلى صنعاء ولقاءه بزعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي، وقبلها لقاءه بوزير الدولة للشؤون الخارجية في مسقط يوسف بن علوي.

 

وأضاف المصدر لـ«المصدر أونلاين»، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث للإعلام، إن غريفيث «يبحث هذه المرة مقترحين وسيركز على إنجازهما، الأول يتعلّق بإعادة فتح مطار صنعاء، وتشكيل لجنة من الطرفين للإفراج عن الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسرياً، وهي القضية الرئيسية التي كان من المفترض نقاشها في جنيف».

 

وتابع «المقترح الآخر، يتمثل في إعادة جسور الثقة وعدم الانزلاق مرة أخرى في مواجهات عسكرية واسعة النطاق، من أجل دعوة الأطراف مرة أخرى لعقد مشاورات في جنيف، منتصف أكتوبر القادم».

 

وأشار إلى أن غريفيث يثق في قدرته هذه المرة على تحقيق نتائج، بعد الدعم الذي لاقاه من مجلس الأمن، كما أن الأطراف أبدت تجاوب للوصول إلى حل سياسي، وتجنيب المدنيين تبعات الصراع.

 

وكان مجلس الأمن أكد دعمه لاستمرار جهود المبعوث الأممي من أجل بناء الثقة، مشيراً على الأطراف اليمنية الانخراط في أي مشاورات في المستقبل بنية حسنة وانتهاز الفرصة لخفض التوتر.

 

وجدد تأكيده على أن الحل السياسي هو الوحيد الذي يمكنه إنهاء الصراع والتخفيف من المعاناة الإنسانية.

 

وعقب فشل مشاورات في تحقيق أي تقدم، أبدى رئيس الوفد الحكومي وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، اعتراضه على موقف المبعوث الأممي، وقال إنه يبرر للحوثيين افشالهم للمشاورات، خصوصاً بعد تصريحات الأخير التي قال فيها بأن الحوثيين كانوا متحمسين لحضور المشاورات لكن الظروف حالت دون ذلك.

 

وقال مصدر حكومي لـ«المصدر أونلاين»، مفضلا عدم الكشف عن اسمه لحساسية منصبه، إن الحكومة تأسف لموقف غريفيث، وكان عليه أن يتحدث صراحة عمن يسعى إلى افشال العملية السياسية باليمن.

 

ووفق المصدر الحكومي فإن الحكومة ستتحفظ على مساعي غريفيث وسيكون ذلك عثرة أمام جهوده الجديدة، لكنها ستكون أقل بكثير من اصطدام تلك المساعي بتصاعد حدة النزاع المسلح في الحديدة (غربي البلاد).

 

واليوم الاثنين، تجددت المعارك بين القوات الحكومية المسنودة بالتحالف العربي والحوثيين جنوبي مدينة الحديدة، بعد أيام من سيطرة الأولى على المدخل الشرقي للمدينة، عقب معارك عنيفة سقط فيها عشرات القتلى والجرحى الحوثيين، وفق مراسل «المصدر أونلاين».

 

حمّى المعارك كان قد أحس بها غريفيث في إحاطته الأخيرة التي قدمها من جنيف أمام مجلس الأمن، وقال «آمل ألاّ يحصل ما نخشاه، من انزلاق الصراع في مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي».

 

وبدلاً من أن تكون جهود المبعوث الأممي هي من تفرض نفسها على حالة النزاع في اليمن، يظهر أن الأمر مختلف هذه المرة، فالمعارك هي من تتحكم بطبيعة المشاورات.

 

ويبدو إن الحكومة اليمنية تجاهلت الدور الجديد الذي يلعب عليه غريفيث، ورغم اقامته في الرياض منذ أسبوع، إلا أنه لم يعقد أي لقاء يتيماً مع نائب الرئيس الفريق علي محسن الأحمر، دون التطرق إلى أي تفاصيل.

 

وأوردت وكالة الأنباء الحكومية «سبأ»، حديثاً مكرراً حول اللقاء، في إشارة إلى أن اللقاء لم يخرج بأي نتائج.

 

لكن الصحفي محمد سعيد الشرعبي، يرى عكس ذلك، ويقول إن تجدد معارك الحديدة جاء نتيجة لفشل مساعي مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن في عقد مشاورات جنيف، وإن المسؤول عن فشلها جماعة الحوثي وليس تجدد المعارك.

 

ويضيف لـ«المصدر أونلاين»، «المعارك الراهنة قد توفر مبررات لمماطلة وتهرب جماعة الحوثي من الذهاب إلى جولة جديدة من المشاورات، ولكن إذا دخلت قوات الشرعية إلى مدينة الحديدة، سيرفضون التعاطي مع المبعوث الأممي، وهنا ربما سيكون طريق المشاورات بعيدا».

 

ويقول إن تعاطي الحكومة من البداية يظهر حرصهم على إنجاح مهام المبعوث الأممي سوءا في ذهاب وفدهم إلى جنيف، أو منح غريفيث فرصة لإيصال وفد جماعة الحوثي إلى طاولة التشاور بعد فشل المحاولة الأولى.

 

وكانت مشاورات جنيف تمثّل أولى المشاورات بين وفدي الحكومة اليمنية والحوثيين منذ تسلّم الدبلوماسي البريطاني غريفيث مهامه في اليمن، كمبعوث أممي للسلام في منتصف مارس الماضي، خلفاً لسلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ.