عائلة فريدة

الأسرة الفريدة: فتاةٌ تولدُ النساءَ وأمٌّ تغسل الموتى وأبٌ يحفرُ القبور

إب – آية خالد:

الحياة والموت بيد الله، ولكن سكان منطقة السدة في بمحافظة إب (جنوب صنعاء)، اعتادوا على إطلاق عبارة بديلة، لرجل يدفن الموتى وابنته التي تولد النساء، مفادها “الحياة والموت بيد رشيد ورشيدة”.
عبارة اختزلت حياة الستيني رشيد سالم، أو كما يسميه بعض محبيه من شباب المنطقة “العم رشيد قبري”، منذ فقدان والديه.


ارتبطت حياة رشيد مع مقبرة المنطقة من اللحظة الأولى التي دفن فيها والداه، كما يروي لـ”المشاهد”، مستطرداً: “بعد الدفن، غادر الناس من المقبرة، وبقيت بمفردي حتى حلول المساء، وبعد تنبه أقاربي لعدم وجودي في المنزل، جاء أحد أقاربي إلى المقبرة، وأخذني إلى المنزل، لكن صباح اليوم التالي، عدت إلى المقبرة، وغادرتها مساء، وصار هذا الأمر تقليداً يومياً أقوم به كل صباح، وإحدى المرات جاء قريبي باكراً لإرجاعي إلى المنزل، فصرخت في وجهه غاضباً: “إن شاء الله أقبرك بعدهم”. مرت الأيام وصرت حفاراً للقبور، ومن المصادفات أن أول قبر، قمت بحفره، دفن فيه قريبي الذي كان يتكفل بإرجاعي من المقبرة، إذ بدأت في حفر القبور وأنا ابن 11 عاماً، كنت أصغر عامل فيها، وحتى اليوم أعمل بنفس المقبرة”.


وتوفي والدا رشيد بحادث مروري على طريق نقيل سمارة الرابط بين محافظتي إب وذمار، عندما كانا ذاهبين مع عدد من أقاربهما لإحضار عروس خاله، لكنهما عادا جثتين هامدتين، ونجت شقيقته الصغرى رشيدة، التي تكفل بتربيتها حتى تزوجت، كما يقول. مضيفاً بالقول: “كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها جثث أموات، ولم أكن أعلم أنني سأُدمن رؤية الجثث، وسأقضي بقية عمري معها”.


توفيت شقيقته رشيدة بعد سنوات قليلة من زواجها، وتزوج هو، بـجارته هناء، التي كانت تساعد أمها في غسل الموتى، حسب وصفه، متابعاً حكايته مع هناء بالقول: “الصدفة جمعتنا حتى تكون نهاية الجميع بإشراف منا، ومن يدها إلى يدي، عشنا حباً جميلاً بسيطاً، كنا قريبين من الله جدًا، لأننا نعلم كيف ستكون نهايتنا، كان لدينا منزل صغير جوار المقبرة، ومنزل أبي الذي تركه لنا، لم يرزقنا الله بالأطفال، وكلما كانت تحمل زوجتي يموت الأطفال قبل أن يولدوا، حتى رزقنا الله بطفلة جميلة سميناها “رشيدة” على اسم أختي، اتفقنا وزوجتي أن ندرسها ونشد على يدها حتى تُكمل دراستها الجامعية، وتكون طبيبة تُنقذ حياة المرضى، وتخفف من عبء ومسؤوليتنا تجاه الموتى الذين يتكاثرون يوميًا نتيجة للأوبئة التي تتزايد يوماً بعد آخر”.


بعد سنوات من ولادة ابنته رشيدة، توفيت زوجته، لكنه حقق حلم والدتها بإلحاقها في مركز “قبالة” بمدينة إب، وصارت اليوم عاملة في توليد النساء، كما يقول، مضيفاً: “بين يديها الحياة، وبين يدي الموت”.
وتقول رشيدة: تعثرت بدراسة الطب في جامعة صنعاء حينها، لأني كنت بمفردي، وكانت الأوضاع مخيفة، فالتحقت بمعهد طبي بمدينة إب لدراسة “النساء والتوليد”، مستدركة لـ”المشاهد”: “في تلك الفترة كان هناك ضحايا كثر، بسبب الولادة المبكرة، والأمراض التي كانت تصيب الأم الواضعة والطفل، فدخلت هذا المجال”.


وتضيف رشيدة: “الجميل في الأمر أن نهاية كل يوم ألتقي بأبي، وأسمع منه حكايته مع الموتى، وقصص المقابر، وأنا أحكي له عن حالات الولادة، وقصص الأمهات وفرحتهن برؤية أطفالهن. الحياة لا تتوقف، وعملي وعمل أبي خلاصة لحال الدنيا، ولكل شيء بداية ونهاية، من عندي فاتحة البداية، ومن عند أبي خاتمة النهاية”