الإمامة في اليمن

الإمامة في الذاكرة.. صورةٌ لرأس مقطوعة وبلادٌ منزوية في ركن قصي من العالم (تقرير)

عمار زعبل

 

بعد 56 عاماً من ميلاد ثورة اليمنيين الأم (26 سبتمبر 1962م) بدأ اليمني العادي, يدرك كثيراً خطورة المشروع الصفوي بلباسه الإيراني الجديد, والذي تسلل إلى اليمن عبر الإمامية, ومشروعها الحوثي, الذي حاول ويحاول وأد أحلام الجمهورية, والقضاء على أهداف الثورة الستة, التي قدم من أجلها الأحرار من دمهم وعرقهم ونضالهم, الذي كان أسطورياً وقضى على الإمامة التي ظلت جاثمة على صدر الشعب اليمني لقرون, الإمامة التي أحالت اليمن إلى أشلاء متطايرة, وصورة لرأس مقطوعة, ووشاح يحمل سيفه, ليمعن في أن تبقى الأرض, التي كانت يوما تسمى بالسعيدة, إلى أن تكون منزوية في ركن قصي من العالم, منبوذة وينظر إليها باستغراب وكثير من تعجب.
 
لا يظهر الدعي الجديد بالأحقية بالحكم, (عبدالملك الحوثي) من أحد كهوف "صعدة" متوعداً ومزمجراً, منذ أعوام خلت إلا وآلة إعلامية كبيرة ودعم مالي وبالأسلحة المتطورة ينهال عليه وعلى كتائبه التي أبدعت بقتل المدنيين وارتكاب مجازر بحق الأطفال والنساء في أكثر من محافظة يمنية, وهو الدعم الإيراني الواضح, الذي رأت فيه وبالمشروع الإمامي بشكل كامل, بأنه يحقق أجندتها التوسعية, وأحلامها القديمة المتجددة بدولتها الفارسية, التي تمتد حتى سواحل اليمن, ومضيق باب المندب, الممر المائي المهم والاستراتيجي, والتي تمر فيه ثلث التجارة العالمية.
 
استغلال متواصل
يقرر باحثون بأن من جنى على اليمن هو التشيع سواء في عصورها القديمة أو حاضرها, وهو ما استغلته إيران في حضورها الأخير في الأزمة اليمنية, بعد أن استخدمت قوتها الناعمة, وآلتها الإعلامية, فاستقطبت كثيراً من الرموز, منذ ثمانينيات القرن الماضي, وسعت إلى تكوين, اتحاد الشباب, ومن ثم الشباب المؤمن, والتي انتجت الحوثيين بنسختهم الأخيرة, التي كانت نتاجاً لدعم مالي كبير, ووفود تلقت تعليمها في حوزات قم والنجف, وغيرها من المدن الإيرانية, أو العراقية, أو تلك في لبنان, التابعة لحزب الله, وكل ما عملته طهران لا يصب في خانة أهدافها فقط, بل استجابت لرغبة الإماميين اليمنيين أنفسهم في تحقيق ما يصبون إليه, فما وولاية الفقيه إلا ذريعة, بأن تكون اليمن حكراً لهم دون فئات الشعب, وهم المتحكمين بثرواته ومنافذه البرية والبحرية والجوية, بل وبمصير أبنائه.
 
حلقة متصلة
لا مشكلة لدى إيران والمشروع الإمامي أن يظل "اليمن" منفصلاً ومقسماً, وضعيفاً أيضاً لا يقود زمام نفسه, بل ينتظر المساعدة, وهي المساعدة التي لن تكون إلا من فارس القوية كما يخططون, ويريدون استرجاع حقبة سيف بن ذي يزن الذي استعان بكسرى, فأرسل معه جنوداً للقتال ضد الأحباش, وبعد أن انتهت الحاجة إليهم قتلوه وظلوا يتحكمون باليمن, باسم "الأبناء" حتى أتى الفتح الإسلامي, والذي وجد فيه اليمنيون ضالتهم فكانوا رجال الدولة الجديدة فاتحين ومقاتلين, ومعلمين الدنيا الدين الجديد, الذي جاء بالسلام للعالم أجمع, وكان لليمنيين المساهمة الكبيرة في القضاء على دولة فارس, التي لم تنته أفكار بعثها من جديد حتى اللحظة, فخططوا منذ زمن قديم, مستغلين حوادث مختلفة, وكان لليمن نصيبٌ من تخطيطهم, فنالها استبداد وظلامية الإمامية, التي عاثت في الأرض في الفساد, قتلاً ونهباً وجهلاً.
 
تقسيم اليمن حلم إمامي
التاريخ يعيد نفسه, فالإمام يحيى حميد الدين, بعد أن استولى على الحكم, لم يطالب بأن يحكم اليمن الطبيعي, شمالاً وجنوباً, بل دخل في معاهدات مع البريطانيين الحاكمين, لعدن, واليمن الجنوبي, واصطنع الحدود, حتى لا يتدخلوا في أراضيه, وهو ما نعيشه اليوم, فالحوثيون يقاتلون إلى ما كان يعرف باليمن الشمالي, حتى الدعم الإيراني, لا يصل إلا إليها, كل ذلك يدلل على أن ما يهم المشروع الإمامي, أو حتى الخميني, هو أن يظل اليمن وحيداً ومجزءاً ومقسماً, فهو الخاصرة الإيرانية في قلب الجزيرة العربية كما تتمنى طهران.
 
غيبة اليمنيين وليس غيبة الإمام المنتظر
في أدبيات الشيعة ما يعرف بانتظار الغائب, وفي اليمن, كانت كذلك, ولكنها غياب الدولة, إذ غابت اليمن تماماً, في حكم الإمامة, فالإمام الهادي منذ وصوله إلى صعدة فاراً من بني عمه العباسيين سعى لتأسيس مجداً فارسياً جديداً عن طريق استبداع مذهب جديد، عازيا إياه إلى الإمام زيد بن علي الذي خرج على الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك وقتله على ذمة الخروج، علما أن الإمام زيد ليس له مذهب فقهي معروف آنذاك، وكان مجرد معارض سياسي لحكم بني أمية، وقُتل وعمره 42 عاما, وعند التقصي عن غياب الدولة في اليمن, الاكتفاء بقراءة عهد المملكة المتوكلية, ففيها أصبحت المحافظات التي كانت تعرف باليمن الشمالي, منزوية في ركن قصي من العالم, نالت منه العزلة, ففتكت بأبنائه الأمراض والأوبئة, وسيف الإمام, الذي جز العشرات من رؤوس المفكرين والخارجين على حكمه, كانت اليمن, صورة لرأس مقطوعة, كما صورتها كتابات من تعرف على اليمن في تلك الفترة, فهي حسب الرحالة الألماني "هانز هولفريتز" الأرض المحرّمة, إذ يقول في كتابه "اليمن من الباب الخلفي" بأنها أكثر زوايا العالم جهلاً لدى سائر الناس في أنحاء المعمورة, فلم يكن بإمكان أي إنسان أن يدخل إلى البلاد إلا بموافقة الإمام شخصياً، وكان السفر إلى الخارج محظوراً على أهل اليمن حظراً باتاً.
 
عظمة مهمة الأحرار
عند قراءة ما كتب عن تاريخ الإمامة, أو المتوكلية منها, وكيف سام اليمنيين العذاب تدرك عظمة المهمة التي قام بها الأحرار من ثوار 26 سبتمبر, تستطيع المقارنة مع ما يحدث الآن من انقلاب على الدولة, الذي تم بمباركة ودعم إيراني كبيرين, وهنا يتفق المشروعان الإمامي والإيراني الصفوي, أو ولاية الإمام الفقيه, وهو حب الاستئثار والاستفراد, فمن المضحك كما تقول بعض الكتابات أن الإمام يحيى حميد الدين (يونيو 1869 - 17 فبراير 1948), كان كل شيء في اليمن, حاكما وقاضياً ومأذوناً, ومن النكت أنه كان رئيساً لتحرير الصحيفة الوحيدة في صنعاء, لا تصدر إلا بعد أن يوافق ويطلع عيها, وهي الصحيفة التي ورث مطبعتها عن العثمانيين الأتراك, الذين خرجوا منها في 1918م, فالإمام يحيى حين تولى اليمن, كانت له وحده, لا شريك له, إذ منع مد شبكات الهاتف ومشاريع المياه والمطابع، كما منع استيراد السيارات، لم تكن في اليمن في ذلك الوقت، أكثر من سيارتين أو ثلاث سيارات، هي ملك للإمام، ويمكن استخدامها في حالات خاصة معينة ليس إلا, كما ذكر في كتاب "اليمن من الباب الخلفي".
 
ما الذي يجمع المشروعين الإمامي والصفوي..؟
ما يجمع المشروعين الصفوي والإمامي هو دعوى الحق الإلهي, إنهم يختلفون فقط في التفاصيل, التي يتحدث عنها الضالعون في دراسة المذاهب والفرق الشيعية, أو بشكل عام للمذاهب الإسلامية, ما يهمنا هنا في الحالة الإمامية, أنها جاءت متوافقة مع نظرية السلطة المطقة, وهو ما يطبق اليوم في إيران ملغية لكل الحلل والملل والقوميات, وهو ما عملت عليه الأئمة في اليمن, وما يريد أن تفعله جماعة الحوثيين ومن معهم اليوم من عودة لكل الأفكار التي قامت عليها ثورة 26 سبتمبر, محاولين إلغاء ثورة ومنجزاتها سواء كانت على الأرض, أو في أدبياتها تماماً وجعلها محاولة انقلاب على إمامتهم, التي فشلت وعادت إليهم مجدداً كما يصورون للعامة, فهم بدعوى الحق الإلهي للسلالة الهاشمية الفاطمية لحكم اليمنيين، يعني إنكار حق اليمنيين لحكم أنفسهم, وهو ما يحتم وجوبية القضاء على الإمامة وأفكارها الاستبدادية والكهنوتية.
 
ولاية الإمام الفقيه
في نظام "إيران" أو ما يعرف بالجمهورية الإسلامية الإيرانية, وجد الإماميون الجدد ضالتهم, في مزج أفكار الإمامية, وهو ما اتضح بعد انقلابهم على الدولة قبل أربعة أعوام, وهو ما أتاح لديهم إمكانية القفز على الأهداف التي جاءت من أجلها ثورة 26 سبتمبر, التي أرادت إلغاء الأحقية بالحكم, وجعلها بمن يدعون بـ"آل البيت" فالوصول إلى سدة الحكم ليس امتيازاً لفئة أو لأناس دون غيرهم, وبمقاومة انقلابهم فوتت الفرصة عليهم, ما جعلهم الامتزاج أكثر بالصفوية, أو بالاثنى عشرية, وجعلوا من صنعاء أو صعدة وغيرها من الأماكن مناحات لمناسبات لم تكن مفروضة قسرياً من قبل, وهو ما سيعجل بانتهاء ولاية الفقيه في اليمن, كما يرى مراقبون.
 
في الذكرى السادسة والخمسين من 26 سبتمبر 1962م, سيؤرخ التاريخ, بأن اليمنيين كانوا يناضلون من أجل أن لا يطبق النموذج الإيراني في بلادهم, وهو ما يعرف بنظام ولاية الفقيه, القريب من المشروع الإمامي الكهنوتي, الذي جثم قروناً من الزمن على اليمن, فارضاً العزلة وسياسة الهيمنة والاستحواذ, وما يميز الاحتفاء بهذه الذكرى بأنه صار شعبياً وهو يعطي أهمية القضاء على فكرة الإمامة, فوهج سبتمبر سيطغى على أية مشاريع تحاول تغييب الشعب أو الزج به في صراعات لا ناقة فيها ولا جمل.