“كنا نعلم أن المسألة ليست بالسهلة، لكن ليس لهذه الدرجة” هذا ما قالته صحيفة ماركا في أحد تقاريرها التي توضح مدى انحدار مستوى ريال مدريد ليصل إلى الحضيض إن صح التعبير، الفريق وصل إلى 4 مباريات متتالية وقرابة 7 ساعات بدون تسجيل أي هدف وهو أمر لم يحدث منذ عام 1985، ولم يحدث أنه لم يسجل في 3 مباريات متتالية من الدوري الإسباني منذ عام 2002.
وفي الحقيقة ريال مدريد لم يكن سيئاً لهذه الدرجة قبل 3 أسابيع من الآن، الفريق قدم بعض المباريات الجيدة هجومياً، بل أنه قدم أداءً ممتعاً بصورة واضحة ضد روما الإيطالي قبل أن تبدأ مرحلة الانحدار. إذاً ما الذي حدث؟ يمكن تلخيص المسألة بست خطوات:
عدم استيعاب اللاعبين لأفكار جولين لوبيتيجي
هنا لا أنتقد اللاعبين، ولا أنتقد المدرب، لكن لا أستبعد أن يكون أحد الطرفين أو كليهما ملام في هذا الجانب، فما هو واضح منذ بداية الموسم بأن ريال مدريد يفتقر للحلول في صناعة اللعب حينما يتراجع الخصم أمامه في دفاع المنطقة، أو حتى حينما يمارس الضغط العالي نحوه، والسبب في ذلك يعود إلى محاولة المدرب تغيير أسلوب لعب الفريق من الأداء المباشر إلى البناء البطيء للهجمات.
ريال مدريد فريق يستحوذ على الكرة ويفرض إيقاعه على المنافس بالغالب منذ خمسينات القرن الماضي، ينجح بالغالب في فرض أسلوبه ويخفق أحياناً، لكنها فلسفة النادي منذ الأزل، لذلك مسألة استحواذ الريال على الكرة في عهد لوبيتيجي ليست وليدة اللحظة، إذاً ما الفرق؟
الفرق بين ريال لوبيتيجي أو ريال زيدان على سبيل المثال أن الفريق الحالي يريد بناء الهجمة بشكل بطيء جداً، ليس لأن المنافس يغلق مناطقه فحسب بل لأن المدرب يريد ذلك، على عكس ريال زيدان الذي كان يتبع أسلوب اللعب المباشر والوصول للمرمى بأسرع الطرق لكنه يفشل في ذلك أحياناً بسبب قوة دفاع المنافس، أو بسبب حالات بدنية أو تكتيكية مختلفة، لكن ما أقصده هنا هو “تغيير الفلسفة”.
زيدان حينما سؤل عن فلسفته في عالم كرة القدم أجاب بشكل مبسط “كرة القدم ليست معقدة كما يظن البعض، المسألة بسيطة، على الفريق أن يتقدم للأمام ويحاول رفع نسق اللعب، وعلى اللاعب أن يفكر في أفضل خيار للتعامل مع الكرة قبل أن يستلمها”.
عقلية زيدان كانت واضحة، محاولة تسريع رتم اللعب قدر المستطاع، بل يجب أن تقرر ما ستفعله قبل أن تصلك الكرة، لذلك حينما كان يواجه دفاع مغلق ويضطر لاعبوه لنقل الكرة من جناح لآخر فكانوا يلجؤون حينها للكرات العالية كأسلوب مساعد للوصول إلى الشباك وتهديد مرمى المنافس. نستطيع تلخيص أسلوب لعب زيدان بـ: لا يهم كيف تصل، المهم أن تُدخِل الكرة منطقة جزاء المنافس وتهدد مرماه مرة تلو الأخرى ثم تصل للشباك.
لكن لوبيتيجي مختلف، فالكيفية ذات أهمية قصوى لديه، لا يقبل كثيراً بأن يستسلم اللاعبون لانكماش الخصم دفاعياً فيلجؤوا لحلول الكرات العرضية بشكل كبير جداً ومتواصل، ويرفض أحياناً التسديد من خارج منطقة الجزاء (وإن رضخ لذلك في الشوط الثاني ضد سسكا موسكو وديبورتيفو ألافيس) وهو ما يجعل الريال تائهاً ولا يعرف ماذا يفعل بالكرة حينما يستلمها أمام دفاع منظم.
لاعبو الريال اعتادوا على محاولة الوصول لمنطقة جزاء المنافس وتهديد المرمى مهما كانت الكيفية، حتى مع أنشيلوتي ومورينيو فعلوا ذلك، وهو ما يجعل التغيير صعباً ومعقداً في الوقت الحالي.
انهيار منظومة خط الدفاع يلغي خطة تقدم راموس
لوبيتيجي كان يحاول التعامل مع الانكماش الواضح للمنافسين بالخلف عبر منح سيرجيو راموس أدواراً هجومية، وهذه الأدوار كان لها تأثير إيجابي في منح الفريق القدرة على التوغل وتفكيك خطوط المنافس، السبب في ذلك أن المنافس كان يتقدم لمقابلة راموس حينما يستلم الكرة مما يسمح لأحد لاعبي خط الوسط أو الهجوم بالهروب من الرقابة واستلام الكرة بدون ضغط، ثم يتقدم لاعب آخر نحو مستلم الكرة فيتم تفريغ زميل جديد، وهكذا…
ما واجهه لوبيتيجي هنا أن دفاع الريال أصبح مكشوفاً بطريقة محرجة وتثير السخرية، فيكفي أن ترسل كرة طويلة خلف خط وسط ملعب الريال لينفرد 3 لاعبين بحارس المرمى ومدافع وحيد، وهو ما اضطر المدرب لتقليل عدد مرات صعود راموس للأمام قدر المستطاع، لا أقول أن راموس لم يعد يتقدم، لكن ما أقوله أن حالات تقدمه تراجعت في آخر 3 مباريات.
غياب عنصر المفاجأة في خط وسط ريال مدريد المتمثل في راموس زاد من انغلاق الأفكار أمام الفريق كلما واجه دفاعاً منظماً امام منطقة الجزاء، وهو ما ساهم في تردي نتائج الفريق.
الإصابات المؤثرة على صعيد الحلول الفردية
مشكلة ريال مدريد أمام الدفاع المنظم تعامل الفريق معها بشكل جيد نسبياً في المباريات الأولى لأنه امتلك عناصر مختلفة ومتنوعة، مارسيلو السيء دفاعياً كان يملك ميزة هامة جداً هجومياً تتمثل بالاختراق فردياً والمراوغة، إيسكو يعرف كيف يتعامل مع الكرة بالمساحات الضيقة، وكارفاخال يوفر حل مثالي بالانطلاق بشكل قطري نحو منطقة الجزاء.
ما حصل بعد ذلك أن هذا الثلاثي تعرض للإصابة وهو ما جعل معظم لاعبي الريال تقليديين، الحل الفردي غاب، والقدرة على التعامل مع الكرة بمساحات ضيقة غاب أيضاً، مما قلص من قدرة الفريق على إيجاد حلول أخرى للاختراق أمام الدفاع المنكمش، ومع إصرار لوبيتيجي على البناء الهادئ والبطيء للعب اختنق الريال أكثر وأكثر.
بدء مرحلة الشك بفقدان ميزة الانتصارات أمام الكبار
قبل بدء أسبوع الجحيم لريال مدريد ضد إشبيلية وأتلتيكو مدريد تحدثت في عدة مناسبات بأن الفوز في أحد اللقائين هام جداً لاكتساب الثقة وبناء شخصية الفريق خلال الموسم الحالي، المسألة ليست 3 نقاط بل أعمق من ذلك بكثير، اللاعبون كانوا بحاجة ماسة لأن يشعروا بأنهم قادرين على إخضاع أقوى المنافسين لهيمنتهم بالأفكار الجديدة التي يحاولون تطبيقها.
إخفاق ريال مدريد ضد إشبيلية وأتلتيكو عمق المشكلة كثيراً، اللاعبون زادت لديهم حالة الشك وربما دخلوا فعلاً في مرحلة عدم الثقة بأفكار المدرب، أن تخفق بتحقيق الانتصار في جميع المباريات المعقدة أمر يؤدي لاختلال المنظومة واهتزاز شخصية الفريق وفقدانه للثقة مع مرور الوقت.
ريال مدريد مكشوف للجميع
الاستحواذ ربما كان سيؤتي ثماره حتى لو خلى من الأفكار الإبداعية في كيفية الوصول للشباك وذلك عبر تحطيم الخصم نفسياً لكن ليس في الوقت الحالي، بل قبل 10 سنوات من الآن.
في الزمن الحالي لم تعد هذه الفكرة مرهقة نفسياً للمنافسين بل أصبحوا متمرسين عليها بعد أن أتى بيب جوارديولا بفلسفة ابداعية إلى عالم كرة القدم، لذلك أصبحت مسألة الوصول للشباك تتعلق بالأفكار الغير مألوفة والمهارات الاستثنائية (مثل القدرة على خلق ثنائيات ومثلثات بين لاعبي الفريق وتناقل الكرة بشكل سريع فيما بينهم بين الحين والآخر بشكل أفقي مع الجري بشكل عامودي نحو المرمى) بشكل أكبر من مسألة تحطيم المنافس نفسياً.
لذلك حينما علم المنافسون بما يريد لوبيتيجي تطبيقه مع ريال مدريد، وكان يسهل عليهم معرفة ذلك بمراقبة بسيطة لمباريات الريال في بداية الموسم، وجدوا الحل الجاهز والسريع لإغلاق المنافذ نحو المرمى بدون أن تكون المسألة مرهقة لهم، ومع غياب الحلول الإبداعية في هذا الأسلوب وغياب عنصر المهارة الفردية كما أسلفنا الذكر، وصل الريال لمرحلة الانغلاق التام.
عدم وجود قائد لخط الهجوم
حينما تشتد الصعاب على الفريق في خط الهجوم فإنك تكون بحاجة حينها لقائد في خط الهجوم، رجل يدفع اللاعبين للأمام دائماً ويطالبهم باستمرار بمنحه الكرة أمام المرمى، وهذه المشكلة الكبرى لريال مدريد في الوقت الحالي.
من الواضح أن شخصية جاريث بيل وكريم بنزيماأبعد ما يكون عن ذلك، فكلا اللاعبين يفتقران للروح القتالية طوال الموسم، نعم ربما تشاهدهما يقاتلان في بعض المباريات لكن لديهما مشكلة كبيرة في الاستمرارية، طبعاً هذا ليس كلامي بل كلام بيل نفسه الذي قال في إحدى المرات “مشكلتي الكبرى أنني كسول”.
الريال كان بحاجة ماسة في آخر مباراتين للاعب يدفعه للأمام، لاعب مقاتل ومشاكس ولديه جوع ونهم كبير لتسجيل الأهداف، وهو اللاعب الذي لا يمتلكه الريال بالوقت الحالي.
مشكلة الفريق أنه تعود على لاعب استثنائي في هذا الجانب، لاعب غير عادي إن صح التعبير، هو كريستيانو رونالدو الذي من الصعب أن تشاهد لاعب آخر في العالم بنهمه وحبه للوصول للشباك، ورغبته المستمرة بتهديد مرمى المنافس، لذلك حينما تكون مع قائد لخط الهجوم فوق الحد الطبيعي للروح القتالية ثم تنزل إلى مستوى أقل من الحد الطبيعي فحينها ستستسم للمنافسين حتماً وستحقق سجل سلبي بدون تسجيل للأهداف يحدث لأول مرة منذ 33 عاماً!